الجمعة، 22 فبراير 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(غير مسلسل 8)



عمل الرئيس الأمريكي باراك اوباما منذ منتصف يوليو 2015 على تحييد الدور السعودي فيما يتعلق بالموقف الذي سيتخذه الكونجرس الأمريكي من الاتفاق مع إيران في موعد لا يتجاوز الـ17 من سبتمبر 2015، وكان ذلك يعني فيما يعني منع المملكة من تحريك اذرعها وقدراتها داخل أمريكا لخلق أغلبية داخل الكونجرس الأمريكي بمجلسيه تمكنه من تمرير قانون يعترض بموجبه على الاتفاق النووي مع إيران.


واتخذت جهود الرئيس الأمريكي لتحقيق ذلك مسارين اثنين: الأول، محاولة إرضاء السعوديين عن طريق إعطائهم الانتصارات العسكرية  السريعة في المحافظات اليمنية الجنوبية والتي يمكن ان تجعلهم يشعرون بأن موازين القوة مع إيران لم تتعرض لأي اختلال؛ والثاني تكثيف اللقاءات الدبلوماسية بهدف إقناع السعوديين بأهمية الاتفاق الذي تم التوصل إليه.

وفيما يتصل بالمسار الأول، فإنه بحلول الـ15 من أغسطس 2015، أي بعد حوالي شهر على توقيع الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني،   كان ذلك الخليط من القوات الموالية  "اسميا" لما يسمى  بـ"الشرعية"، وبمساندة رمزية من قوات إماراتية، قد سيطر على 5 محافظات يمنية جنوبية هي: الضالع، عدن، لحج، ابين، وشبوة .

وأدت السرعة التي تطورت بها الأمور على هذا المسار إلى شيوع تساؤلات مكتومة عن إمكانية أن يكون الرئيس السابق قد خدع حلفائه الحوثيين وعقد صفقة مع الإمارات سحب بموجبها قوات الحرس الجمهوري الموالي له من أماكن تموضعها في عدن مما مكن القوات الموالية لهادي من القيام بعملية إنزال على شواطئ عدن.  فقد تساءل مثلا النائب في البرلمان اليمني شوقي القاضي أن كانت دولة الإمارات قد لعبت بالفعل الدور الأكبر في  تحرير عدن، وعن الدور الذي لعبه نجل الرئيس السابق المتواجد في الإمارات في هذا الجانب.  



وعززت التطورات اللاحقة في المحافظات الجنوبية ثم في الشمالية الشكوك بأن الانتصارات السريعة التي تحققت في المحافظات الجنوبية قد تمت بحبكة وسيناريو مسبق متفق عليه بين الأمريكيين (إدارة اوباما)، رئيس اليمن السابق ونجله المقيم في الإمارات، ودولة الإمارات.

وتدعم القراءة الاستقرائية الدقيقة للأحداث والتطورات في الجنوب وفي الشمال فكرة وجود تفاهمات بين الأطراف الثلاثة بعضها سابق على استعادة المحافظات الجنوبية، وبعضها مصاحب، والبعض الثالث لاحق. ويمكن تلخيص تلك التفاهمات استقرائيا على النحو التالي:

أولا، اعتبار المحافظات اليمنية الجنوبية بحكم تجربتها مع الماركسية أراض ممهدة لقيام نظام الحكم الذي تتطلع إليه الأطراف الثلاثة في المحافظات الجنوبية واليمن عامة وهو "الدكتاتورية العلمانية" على غرار النظام الذي يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسي في جمهورية مصر العربية وعيال زايد في الإمارات.

ثانيا، جعل المحافظات الجنوبية مناطق نفوذ للأطراف الثلاثة المشاركة في التفاهمات دون غيرها من الأطراف داخلية كانت أو خارجية.

ثالثا، جعل الإمارات بحكم "الرؤية الإيديولوجية" التي تحملها والخبرة التي طورتها، باستخدام قوات موالية للأطراف الثلاثة، هي المتصدرة ميدانيا للمشهد سواء في تحرير المحافظات الجنوبية أو في تحرير اليمن بعامة. 

رابعا، العمل على منع العناصر الموالية للسعودية وفي مقدمتها الرئيس هادي وحكومته واللواء الأحمر وشيوخ القبائل والوجاهات الاجتماعية وبكل الطرق من اتخاذ عدن أو أي منطقة أخرى في الجنوب أو في الشمال عاصمة مؤقتة، أو الاستقرار فيها، أو بناء أي نفوذ في المحافظات الواقعة تحت سيطرة أطراف التفاهم مع السعي الحثيث في ذات الوقت وبالتدريج على اجتثاث أي نفوذ  عسكري قائم لتلك الجماعات.

خامسا، العمل على منع حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي تنتظم داخله حركة الإخوان المسلمين في اليمن، والتيارات الدينية المدعومة سعوديا و/أو قطريا المتشدد منها والمعتدل، من بناء أي نفوذ في المحافظات  الخاضعة لسيطرة أطراف التفاهم والعمل بالتدريج على تصفية عناصره الفاعلة وخصوصا خطباء وأئمة المساجد ومديري مدارس تحفيظ القرآن والعاملون في الجمعيات الخيرية.

سادسا، العمل على منع عناصر الإخوان المسلمين من تحقيق أي انتصار في أي جبهة من جبهات القتال وخصوصا في تعز التي تعتبر مركز ثقلهم الرئيس.

سابعا، فيما عدا العناصر المحسوبة على الأطراف الثلاثة من القيادات السياسية والاجتماعية والعسكرية والضباط والجنود وأعضاء مجلسي النواب والشورى وناشطي الأحزاب، فيتم العمل على الحد من دخول العناصر القادمة من المحافظات الشمالية إلى المحافظات الجنوبية.

ثامنا، تعمل أطراف التفاهم الثلاثي على بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية والمدنية في المحافظات الجنوبية من الموالين لها، ويعمم النموذج العسكري والأمني والاقتصادي الذي سيتطور في المحافظات الجنوبية على سائر المحافظات والمناطق  التي يسيطر عليها إطراف التفاهم مستقبلا.

تاسعا، تعطى الأولوية في "التحرير" والتثبيت والتطهير للمناطق الساحلية والجزر البحرية نظرا لأهميتها الإستراتيجية ولما توفره من موارد، ويتم الدفع بالقوى التي تشكل تهديدا لهذه التفاهمات نحو الداخل لتتولى التعامل مع بعضها البعض مع العمل المستمر على إذكاء الصراع الديني بين الحوثيين من جهة والإخوان من جهة ثانية.  

عاشرا، يرتبط الدور الذي تلعبه السعودية على الأرض في اليمن والمكانة التي ستحتلها بين الأطراف المتفاهمة بالخطوات الجادة التي ستقوم بها القيادة السعودية لتكييف توجهاتها داخليا وخارجيا بما يتسق مع توجهات الأطراف الثلاثة.     

حادي عشر، يتولى تمويل العمليات والأنشطة المشتركة دولة الإمارات والأمريكيون والرئيس السابق وأفراد أسرته بالإضافة إلى ما يمكن تطويره من موارد محلية وما ستقدمه السعودية كقائدة للتحالف من مساهمات مادية وعينية غير مشروطة.

واكتسبت القاعدة وداعش أهمية بالغة في تنفيذ التفاهمات الثلاثية على أرض الواقع. وتم استحضار تلك الجماعات بقوة منذ إخراج الحوثيين من عدن. فذكرت وسائل الإعلام أنها شاركت خلال شهر يوليو 2015 في تحرير مدينة عدن، وأكد شهود عيان أن عناصرها كانت تتجول في المدينة بسيارات مكشوفة ترفع رايات القاعدة وقد القي على ظهرها جثث قتلى للحوثيين بقصد استعراضها أمام الناس. وقامت تلك الجماعات بتنفيذ اعتداءات على بعض كليات جامعة عدن بحجة منع الاختلاط بين الجنسين.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق