في 14 يوليو 2015، الموافق 27 رمضان، والذي يعتقد بعض المسلمين بان ليلته
تشهد حدوث ليلة القدر، وبعد مرور قرابة 3 أشهر و3 أسابيع على بدء التدخل العسكري
الخارجي في اليمن، تمكن خليط من القوات الموالية "اسميا" للرئيس اليمني
المستقيل المتواجد في الرياض، عبد ربه منصور هادي، في
عملية أطلق عليها "السهم الذهبي"، وفي اليوم ذاته الذي وقعت فيه الأطراف المتفاوضة حول البرنامج النووي
الإيراني على الاتفاق النهائي، من السيطرة على منطقة خور مكسر ومطار مدينة عدن الدولي محققة أكبر اختراق
في الصراع المسلح منذ بدء التدخل العسكري الخارجي.
وذكرت الأنباء يومها أن كل طرق الإمداد للحوثيين المتواجدين في كريتر
والمعلا والتواهي تم قطعها، وأن الحوثيين
المحاصرين حاولوا الفرار عن طريق زوارق، إلا انه تم استهدافهم وتلقوا ضربات موجعة.
ووقعت "معجزة عدن" التي لا تقل في أهميتها عن معجزة عقد صفقة مع
إيران بشأن برنامجها النووي، نتيجة قيام التحالف (تترجم إلى إدارة أوباما)
بالتزامن مع اقتراب المفاوضات بين إيران والـ5+1 من التوصل إلى اتفاق، بإمداد تلك
القوات المتواجدة في المدينة عن طريق البحر بالعربات والمدرعات والأفراد المدربين،
بالإضافة إلى الإسناد الجوي المكثف من قبل الطائرات.
وإذا كان توقيع إيران اتفاقا نهائيا مع دول الـ5+1 بشأن برنامجها النووي في
14 يوليو قد مثل تطورا مزعجا للقيادة السعودية ومحرجا لها أمام مواطنيها، فقد عملت
إدارة اوباما، من خلال التطورات التي شهدتها عدن، على جعل الانتكاسة السعودية تبدو
اقل قبحا.
كما وفرت تطورات عدن للرئيس المنفي شيئا يمكن أن يتحدث عنه في كلمته
الموجهة إلى اليمنيين عشية عيد الفطر، والتي وافقت الـ16 من يوليو. وقد افتتح هادي
خطابه ليلتها، بعد ترديد الأدعية المعتادة
في مثل هذه المناسبة، بما يلي:
"انه
من حسن الطالع أن تتزامن تهنئتنا بعيد الفطر المبارك في ظل أجواء البهجة والسرور والفرحة
التي تجتاح قلوب اليمنيون نتيجة الانتصارات العظمية التي حققتها المقاومة الشعبية في
عدن، عدن الشموخ والتحدي، عدن الصمود والإباء ، ليصبح العيد عيدين والفرحة فرحتين،
فهنيئاً لشعبنا ،وشكراً لربنا تعالى، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، وأننا على موعد
قريب مع النصر المحقق والمبين لكامل وطننا الحبيب."
ومع أن الفرح عندما "يجتاح" القلوب يمكن أن يحولها إلى أطلال
ويقلب الأفراح إلى مآتم، إلا أن القليلين كانوا يهتمون بما يقوله هادي أو بالألفاظ
التي يوظفها. أما تعبيرات من مثل "العيد عيدين"، "الفرحة
فرحتين"، "هنيئا لشعبنا"، و"شكرا لربنا"، ورغم ما بدت
عليه من "سوقية" الصياغة وتنافر التراكيب، فقد جاءت متسقة تماما مع
شخصية هادي المتكلفة.
وفي فجر 17 يوليو، أول أيام عيد الفطر، والذي صادف أيضا اليوم الذي يحتفل
فيه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح كل عام حتى بعد خروجه من الرئاسة
بذكرى توليه في شمال اليمن (17 يوليو 1978)، وبعد 3 أيام فقط من توقيع الاتفاق بين
إيران والـ5+1 في 14 يوليو، وبعد بضع ساعات فقط على سجع هادي المثير للشفقة، أعلن
خالد بحاح نائب الرئيس-رئيس الوزراء في تغريدة على تويتر عند الفجر "تحرير
محافظة عدن" بالكامل باستثناء بعض الجيوب.
وبدلا من الاكتفاء بخبر التحرير، راح بحاح بمحدودية خبرته السياسية وبناء
على نصائح تلقاها خلال آخر جولة خارجية قام بها يطلق الخطط والتوجهات للمرحلة
القادمة، فأكد على أن "الحكومة ستعكف على تطبيع الحياة في عدن وسائر المدن المحررة،
وإعادة تأهيل بنية المياه والكهرباء والطرقات، وستعمل على عودة النازحين من جيبوتي
والصومال ومحافظة حضرموت وغيرها." وأضاف "الحكومة ستعمل جاهدة على تأهيل مطار عدن والموانئ البحرية،
وستكون المحافظة منطقة مركزية لاستقبال الإغاثة، وسنجتهد لاستئناف العملية الدراسية
المنقطعة بعد تأهيل المدارس والجامعات."
ورغم أن إعلان السيطرة على محافظة عدن جاء قبل وقته، إلا أن المرحلة، كانت
من وجهة نظر إدارة اوباما تتطلب مثل ذلك الإعلان حتى وإن افتقر إلى الواقعية. فإذا
كان الإيرانيون سيحتفلون هذا الموسم بعيدين، عيد الفطر وعيد الاتفاق النووي، فإن
السعوديين بدورهم سيحتفلون كذلك بعيدين، عيد الفطر وعيد استعادة محافظة عدن من
الإيرانيين ووكلائهم من اليمنيين، بحسب توصيف السعوديين للحدث.
وكان من الواضح من خلال الفارق الزمني الضئيل بين خطاب هادي من جهة، وإعلان
نائب الرئيس-رئيس الوزراء من جهة ثانية،
أنه تم العمل بشكل مقصود وجلي على حرمان الرئيس من الإعلان عن استعادة محافظة عدن في خطابه بمناسبة
عيد الفطر، وإعطاء ذلك الحق حصريا لبحاح.
وكان من الطبيعي أن يتصدر بحاح، الذي لا بد وأنه يملك الكثير من الأصدقاء،
بإعلانه تحرير محافظة عدن في وقت مبكر من يوم الـ17 من يوليو عناوين الأخبار في
حين تراجع هادي، الذي يعاني من عزلة كبيرة، وخطابه بمناسبة عيد الأضحى إلى
التفاصيل السياقية. وأبرزت التغطيات الإعلامية لإعلان تحرير عدن وما ورد فيه من
خطط وتوجهات نائب الرئيس-رئيس الوزراء كرجل دولة يهتم بالأفعال لا بالأقوال ويملك
رؤية وتوجه في حين بدا هادي وكأنه يقوم بدور المسحراتي بعد انقضاء الشهر الكريم.
ورغم أن العملية التعليمية في المدارس والجامعات اليمنية كانت قد توقفت مع
بدء طائرات العدوان بقصف اليمن في 26 مارس 2015 إلا أن الحوثيين والرئيس السابق
أعلنوا بعد بضعة أيام من توقيع الاتفاق بين إيران والدول الست عودة الدراسة في
كافة المراحل ابتدءا من 25 يوليو 2015 بالرغم من
عدم حدوث أي تغير ايجابي، استمرار شحة أو انعدام المشتقات النفطية، ووجود عدد
كبير من الطلاب الذين نزحوا مع أسرهم من المحافظات التي كانوا يقيمون فيها بشكل
دائم.
كان الدور المناط بملايين المدنيين من اليمنيين، وخصوصا النساء والأطفال
والشيوخ والمرضى والذين يعيشون على الدخل اليومي وغيرهم، هو أن يلزموا منذ بداية
التدخل العسكري العدواني بيوتهم وأن تتعطل حياتهم اليومية وأن يتحولوا إلى أسرى
لدى إدارة أوباما حتى تنال ما تريده من إيران. أما وقد حدث ذلك، فلا بأس بأن
يعودوا إلى ممارسة حياتهم اليومية وإن في ظل أوضاع شاقة وظروف غير مواتية.
وفي حين تمكن بحاح من كسب معركة تحرير محافظة عدن لصالحه في مواجهة هادي،
فإن ذلك النصر الذي لم يكن الأول من نوعه، قد أثبتت الأيام والأشهر التي تلت أنه كان
الأخير. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى أن حظوظ بحاح، الموالي لأمريكا والمقبول من
السعودية، قد ارتبطت بحالة التوافق النسبي في العلاقات السعودية الأمريكية، والتي
مكنت إدارة اوباما من الهيمنة على القرار
السعودي بشأن اليمن بشكل شبه كامل.
ومع توقيع الدول الست بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في 14 يوليو 2015 اتفاقا
نهائيا مع إيران بشأن البرنامج النووي للأخيرة، بدأت العلاقات السعودية الأمريكية
بالسير على طريق صخري نتيجة شعور السعوديين بان إدارة أوباما لم تتوصل إلى الاتفاق
الذي كانوا ينتظرونه. وبالمثل، فإن حظوظ خالد بحاح، نائب الرئيس-رئيس الوزراء بدأت
تسير بدورها من سيء إلى أسوأ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق