د. عبد الله الفقيه
استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاءصدم معظم الثوار والنشطاء العرب سنة كانوا او شيعة قوميين او قطريين بمحاولات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الدفاع عن النظام السوري القمعي الذي يقوده بشار الأسد في مواجهة ثورة الشعب السوري تحت مبرر الحفاظ على القضية الفلسطينية من الضياع المحتمل فيما لو غادر بشار ونظامه السلطة. كان حزب الله قد دعم بقوة حق التونسيين والمصريين والليبيين والبحرينيين في الثورة ضد حكامهم وهو الموقف الذي كان متوقعا من حزب يتخذ من "المقاومة" ايديولوجية.
أما وقد وصلت الثورة الى سوريا وخرج شعبها ضد دكتاتورية بيت الأسد التي تعتبر الأكثر فاشية في العالم العربي والتي تغتصب السلطة وتحكم بالحديد والنار منذ اربعة عقود، فقد غير حزب الله خطابه ومنطقه وبدأ الحديث عن المقاومة وفلسطين وافضال بيت الأسد على الفلسطينيين واللبنانيين. وموقف حزب الله ليس خاص به وحده بل يشاركه في ذلك الموقف بعض "القوميين السلفيين" ان جازت التسمية والذين يصرون، بكل انتهازية، على ان النظام السوري يجب ان يظل محصنا ضد الثورة لإنه يحمي العالم العربي من الطوفان. ولم يسلم من هذا المنطق حتى مفكر قومي بحجم محمد حسنين هيكل الذي ظهر على قناة الجزيرة ذات مرة ليردد كلمات تتشابه في معانيها ان لم يكن في مخارحها مع ما قاله امين عام حزب الله.
ولا يخفى على احد ما ينطوي عليه منطق امين عام حزب الله وقيادات بعض الأحزاب القومية في الكثير من اقطار العالم العربي من مغالطة لا تليق بحزب "المقاومة" ولا بالأحزاب القومية. فالنظام السوري لا يردع احدا سوى المحتجين سلميا من ابناء شعبه، ولا يقاوم سوى ارادة شعبه في التغيير. وعلى افتراض ان آل الأسد قد حرروا فلسطين مثلا، فهل يبرر ذلك لهم استعباد مواطنيهم وتجريدهم من حقوقهم ووضعهم في السجون ثم قتلهم عندما يخرجون للمطالبة برحيل النظام الأسري الفاشي؟ والجواب هنا: بالطبع لا. فالقضيتان مختلفتان تماما ولا يمكن استخدام سياسة دعم المقاومة المتمثلة في حزب الله او حتى تحرير فلسطين كمبرر لقتل السوريين الإ عند اولئك الذين يتبنون عقائد فاشية ونازية لا تحترم حقوق الفرد ولا حقوق الجماعة.
لكن موقف امين عام حزب الله ليس مفاجئا بل متوقعا. ورغم ان ذلك الموقف لا يرقى الى مثاليات انصار الثورة في العالم العربي الإ انه بالتأكيد ينطلق من سياسة واقعية ترتكز على التأثيرات الاستراتيجية المحتملة للثورات العربية على توزيع القوة بين الدول وبين الجماعات السياسية والاجتماعية داخل الدول. فقد دعم حزب الله الثورات في تونس ومصر وليبيا لإنها كلها اما تعزز من مكانته ومن قدرته على البقاء والاستمرار والمقاومة، أو على الأقل لا تؤثر سلبا على تلك المكانة.
أما الوضع بالنسبة لسوريا فمختلف تماما. فقد تمكنت مجموعة من الضباط في ستينيات القرن الماضي من التسلل الى السلطة رافعين شعار القومية العربية في حين ان ما يجمعهم في الواقع هو الإنتماء الى طائفة علوية لا تمثل سوى اقل من 10% من سكان سوريا ..وتمكنت تلك الأقلية الصغيرة من التأسيس لحكم اسري يتقنع بالقومية والعلمانية ويرتكز في بقائه على الطائفية والجيش غير الوطني. وظلت سوريا لعقود الدولة العربية الوحيدة التي يحكمها الشيعة رغم كونهم اقلية صغيرة في المجتمع. وقد كان نشوء حزب الله اللبناني نتيجة مباشرة لسعي علوي سوريا، بالتحالف مع ايران، الى توسيع تحالفاتهم ونفوذهم في منطقة الشرق الأوسط.
وقد حدث العكس في العراق. فقد تمكنت مجموعة سنية صغيرة، وان كانت اكبر في حجمها من علوي سوريا، من التسلل الى السلطة وتوظيف القومية والعلمانية للتأسيس لسيطرة طائفية سنية في مجتمع يمثل الشيعة اغلبية داخله واذا ما اضيف اليهم الأكراد فان الجماعتين تمثلان الأغلبية العظمى في المجتمع. ومثل النظام السني المسيطر في العراق فاصلا بين ايران وحليفها الاستراتيجي في سوريا .
وادى الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 والمشروع الديمقراطي الذي تم تبنيه الى اعادة توزيع السلطة وبحيث تم تمكين الشيعة والأكراد في حين تراجع نصيب السنة الى ما يتناسب مع حجمهم السكاني. وكان من الطبيعي نتيجة لذلك ان يختل توزيع القوة على المستوى الإقليمي وان تبرز ايران كقوة اقليمية اولى لا تبارى وان يمتد نفوذها ليشمل العراق وسوريا ولبنان دون انقطاع، ولم يقلل من اهمية ذلك النفوذ حقيقة ان الكثير من العناصر الشيعية في العراق يتبنون العلمانية كأيديولوجية للدولة.
وكان واضحا منذ الغزو الأمريكي للعراق واسقاط حكم البعث في ذلك البلد العربي ان تلك التحولات في موازين القوة ستخلق ضغوطا لابد ان تطيح كذلك ان عاجلا او آجلا ببعث سوريا ان لم يكن لشيىء آخر فلتصحيح الاختلال في توازن القوة الإقليمي والذي تم الإطاحة به من خلال الغزو الأمريكي للعراق.
ويعرف حزب الله ان سقوط النظام السوري سيرتبط، تماما مثلما حدث في العراق وفي ليبيا وفي كل مكان آخر عبر التاريخ، بضرب جيش الأسرة الذي يمثل اهم ركيزة للنظام. فحيث يتحول الجيش الوطني الى جيش اسري وظيفته الأساسية حماية الأسرة وفرضها على الشعب يصبح الجيش عائقا كبيرا امام نجاح الثورة حتى وان تم الإطاحة بالأسرة الحاكمة ذاتها. وسيؤثر سقوط النظام السوري في بعديه العسكري والمدني سلبا على حزب الله اما عن طريق الإماتة البطيئة او عن طريق خلق ظروف الموت السريع.
ويلاحظ ان ايران تبدو اكثر مرونة في موقفها من الثورة السورية على الأقل في العلن مقارنة بحزب الله. فهي تدرك ان المكاسب التي حققتها طوال عقد كامل من جراء سقوط النظام العراقي لا بد ان يقابلها خسائر. وفي الوقت الذي تتمنى فيه ايران ان لا يسقط النظام السوري، فإنها في ذات الوقت تدرك ان الثورات العربية بقدر ما تحمل من تأثيرات سلبية على نصيبها من القوة الإقليمية فإنها تخلق الكثير من الفرص التي قد تمكنها في نهاية المطاف من تحقيق مكاسب حتى وان خسرت سوريا كحليف استراتيجي.
وبالنسبة للقوميين العرب فإنه ينبغي الإشارة الى ان القوميين الذين يعارضون الثورة السورية هم تيارات صغيرة هنا وهناك ترتبط مع اسرة الأسد اما بعلاقات انتفاعية وتبعية او بعاطفة طائفية أو بالاثنين معا. ولا يستثنى من العلاقات المصلحية والانتفاعية مع النظام السوري حتى كاتب بحجم محمد حسنين هيكل الذي يربطه بال الاسد استثمارات مشتركة حيث كشفت تقارير صحفية لم يتم نفيها ان الدكتور احمد محمد حسنين هيكل المتزوج من ابنة الأمين العام الحالي للجامعة العربية نبيل العربي، هو شريك لرامي مخلوف ابن خال الرئيس بشار الأسد في استثمار تجاري كبير.
اما القوميين العرب الجدد المتحررين من "السلفية القومية" فانهم يعتبرون قيام انظمة سياسية واقتصادية ديمقراطية في العالم العربي بمثابة الشرط الموضوعي الأهم لقيام اي تقارب او تكامل اقتصادي او وحدة سياسية بين الدول العربية ولا يعقدون اي امل على فاشية البعث أو طائفية ال الأسد في تحقيق شيء سوى الهزيمة المنكرة والخسران المبين. وصحيح ان القوميين العرب القدامى لن ينقرضوا كما حدث مع الديناصورات الإ ان قومية الطائفة لا مستقبل لها سوى في متحف الإيديولوجيات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق