كتبت: جين نوفاك*- ترجمة خاصة بـ "يمنات"
المصدر: مدونة الكاتبة /ورد برسما يزال الملايين من اليمنيين صامدين في الشوارع على طول وعرض البلاد بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات الدامية. إنهم يريدون رحيل صالح ونظامه بالكامل.
اندلعت مصادمات في صنعاء بين القبائل المُعارضة والفصائل العسكرية، وبدأ الرئيس صالح بشن أعمال عدائية بعد حجز فريق واحد من الوسطاء، بمن فيهم سفير الولايات المتحدة، وقصف فريق آخر من الوسطاء أيضاً. كما أن رفض صالح قبول فرصة ذهبية قدمتها له دول مجلس التعاون الخليجي لم يكن مفاجئاً. فمن اليوم الأول للثورة، يدرك المحتجون أنه سيقاتل حتى آخر قطرة من دمه، وسوف يستخدم أي وسيلة لازمة من اجل بقائه على السلطة.
سينجح الشعب اليمني بالإطاحة بصالح. وبالتالي، يجب على هذا الجيل من الثوريين اليمنيين أن يبدؤوا في اليوم الذي يلي صالح بعمل شاق لبناء اليمن الديمقراطي المدني الذي يلبي مطالبهم. وما أن تنجح الثورة، يجب حمايتها. ولعل واحد من سبل حمايتها يكمن في توزيع السلطة على المستوى المحلي.
وفيما يلي جدول زمني بـ اثنا عشر شهر بعد رحيل الرئيس صالح من السلطة. ويهدف هذا الاقتراح إلى خلق آلية لتحقيق مطالب الشباب اليمني الثائر. وترتكز هذه الآلية على مبدأ الحقوق المتساوية لجميع اليمنيين، حيث يأخذ الاقتراح على عاتقه وجوب بناء هيكل الحكومة المؤقتة من الألف إلى الياء، مع تركيز مطرد على الاحتياجات الفردية لليمنيين. نظراً لأن عملية إعادة توازن السلطة تتطلب ألا تُسوى فقط بين التكتلات المختلفة ومراكز السلطة، بقدر ما تتطلب أن تُسوى بين الشعب وكافة مؤسساته. ذلك أن تحقيق المصير الوطني الشامل يكمن فقط في منح سلطات واسعة على الصعيد المحلي.
تنظيم المجتمع
إن التكلفة التقديرية لهذه الآلية الانتقالية المؤقتة على مدى ثلاث سنوات هي 2.4 مليار دولار، تُستمد من أموال الجهات المانحة التي تعهدت بها في مؤتمر المانحين عام 2006. وتتطلب هذه الآلية الانتقالية المؤقتة إجراء مسح إحصائي للبلاد. وسيجرى هذا التعداد في مرحلة واحدة شاملة للعائلات والأفراد الذين لديهم شهادات ميلاد وبطاقات انتخابية، والطلاب المسجلين في المدارس والمسجلين في محو الأمية للكبار وكذالك طالبي التوظيف. ولعل أهم شرط أساسي بعد الثورة هو انتخابات نزيهة. كما يجب أن تبني الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة في قوائم الناخبين على الدقة. و على نفس القدر من الأهمية, سوف يحدد التعداد أيضا اليمنيين الأكثر ضعفا، واحتياجات المجتمع الملحة، فلقد امتص الرئيس صالح ثروات البلاد، وأصبح كثير من المواطنين على حافة المجاعة.
تتطلب الآلية الانتقالية المؤقتة من الناشطين اليمنيين والمواطنين إنشاء مراكز محلية في كل مديرية وقرية، وسوف تعمل هذه المراكز على استقبال طلبات العمل من اليمنيين البالغين- ذكوراً وإناثاً- والمستعدين لإعادة بناء الأمة مقابل دخل محدود، خلال الفترة التي تلي كارثة حكم صالح. كما ستساعد المراكز المحلية في الحصول على طلبات قروض صغيرة ومنح مجتمعية.
تُمنح القروض الصغيرة للأفراد لتكوين اقتصادهم الذاتي، وهو السبيل الأكثر عملية لبداية دفع الاقتصاد. كما أن المنح المقدمة لإعادة بناء المجتمع يجب أن تصبح متاحة بعد أن تقوم المجالس المحلية بتقييم الاحتياجات الأكثر إلحاحا في كل قرية ومديرية. أضحى الفساد الشامل عملية منظمة على كل المستويات في إدارة صالح، وهو يقوض قواعد الاقتصاد والمجتمع المدني، وبالتالي فإن إعادة البناء الجزئي سيحد من عملية النهب الكبير من خلال صرف أموال المانحين بكميات قليلة. كما يجب على كافة مشاريع إعادة بناء المجتمع نشر ميزانياتهم والتحلي بروح عالية من الشفافية. وعليه، فان الآلية الانتقالية المؤقتة تتطلب أيضا خدمة انترنت واسعة النطاق على المستوى الوطني، ووضع معايير للعمليات المحاسبية الوطنية، فضلا عن إنشاء مركز للمساعدة في كل مجتمع.
كما تقوم المجالس المحلية بتأسيس مراكز طبية مجتمعية لتقييم الاحتياجات الطبية على المدى القريب والبعيد، وستعمل على الرقابة على توزيع المساعدات الطبية الدولية، وتقديم برامج تعليمية طبية. وسيتم التشديد على إقامة عيادات ومراكز غسيل الكلى، وتوفير خدمات الصحة الإنجابية.
وكإجراء تشديدي إضافي لكبح الفساد، سيتم إنشاء مراكز إعلامية مجتمعية لتساعد في تكوين منافذ للأخبار المحلية والوطنية، وقنوات البث الإذاعي والصحف المستقلة.
تنظيم المحافظات والمناطق
تعمل الآلية الانتقالية المؤقتة على تعليق كافة النشاط السياسي لمدة ثلاثة أشهر، بما في ذلك حركة الاستقلال الجنوبية، وهذه ليست محاولة لتقويض الحراك الجنوبي، أو إنكار الحق المشروع للجنوبيين في السعي نحو الاستقلال. هذه آلية محايدة، وهيكل سياسي يسعي إلى توفير الخدمات الأساسية لجميع اليمنيين قبل استئناف النشاط السياسي. وسيتم حل حزب المؤتمر الشعبي العام لمدة سنتين، وبعد ذلك يمكن أن يعاود تنظيمه. ويمكن لأحزاب اللقاء المشترك والأحزاب المؤسسة الأخرى أن تستأنف نشاطها بعد ثلاثة أشهر، وكذلك يجب وبقوة تشجيع وتطوير أحزاب سياسية جديدة، ويمكن أن تبدأ على الفور بعد رحيل صالح، مع الحرص على حصول الإناث على حصص "كوتا" خلال الدورتين الأوليتين من الانتخابات.
وبعد ستة أشهر من مغادرة صالح, يجب أن تجرى انتخابات المجالس المحلية والمحافظين ضمن قوائم انتخابية دقيقة، وتجرى هذه الانتخابات علي مبدأ القائمة النسبية، نظراً لأن النظام الانتخابي القائم على مبدأ "يأخذ الفائز كل شيء" أو "الأول يليه ما بعده" يميز بشدة الأحزاب الصغيرة والمستقلين، وسوف يكون منبوذاً. وخلال نفس المرحلة الانتخابية، يتم انتخاب القضاة ومدراء المدارس في كل مديرية، ويمكن رفع لائحة أسماء المنتحبين بواسطة مراكز المجتمع، وستجرى الانتخابات المحلية مرة كل سنتين لتشجيع مساءلة الممثلين السابقين من قبل المجتمعات المحلية التي يخدمونها.
كما سيقوم كل محافظ باختيار شخص ذو نزاهة عالية, وذلك كممثل على مستوى الوطن ككل لمصلحة "اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء"، والتي بدورها ستشرف علي الانتخابات البرلمانية والرئاسية. كما يمكن رفض المرشحين المقدمين من المحافظين بنسبة 75 ٪.
ستكون المجالس المحلية المنتخبة شريكة مع مراكز المجتمع والمراكز الطبية المجتمعية. وتقوم إدارة المجالس المحلية بالإشراف على الشرطة، والميزانيات المحلية والانتخابات. وستعقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية بعد ستة أشهر من انتخابات المجالس المحلية، أي بعد سنة واحدة من سقوط صالح، ولن يكن حزب المؤتمر الشعبي العام مؤهلاً لخوض الانتخابات الأولى. وسيجرى في نفس الوقت استفتاء حول استقلال الجنوب، مع خيارات استقلاله أو وحدته أو التصويت مرة أخرى في الدورة الانتخابية المقبلة. وسيكون الاستفتاء جزءاً من كل مرحلة انتخابية حتى يحين الوقت الذي تصل فيه نسبة ما يجمع عليه الجنوبيون 75% من عددهم.
الأمن ومكافحة الإرهاب
يطالب الثوار اليمنيون بـ "إعادة بناء جهاز الأمن القومي، والأمن السياسي، والاستخبارات عن طريق دمجها في جهاز أمني وطني واحد."، كما أن مخاوف مكافحة الإرهاب هي ذو أولوية عالية بالنسبة للمجتمع الدولي. فالولايات المتحدة خصصت ملايين من الدولارات كحزمة دعم أمنية لليمن، ومن ثم ما لبثت أن عادت وجمدتها، ولذلك ينبغي أن تطلق هذه الأموال وتوجه نحو تطوير جهاز مخابرات جديد، وإعادة هيكلة الجيش وتدريب الشرطة المحلية.
كما يجب استدعاء الجيش الجنوبي برتبهم الحالية لملء الفراغ في مكافحة الإرهاب في الفترة المؤقتة، وكذلك للمساعدة في إعادة هيكلة أجهزة الجيش اليمني، ذلك لأن المتقاعدين العسكريين الجنوبيين مدربة تدريب عسكري روسي، وبعيدة عن الفساد العسكري القائم بما في ذلك الاتجار بالنفط والسلاح. وقد أثبت أولئك المتقاعدين العسكريين، الذين يقودون الاحتجاجات في الجنوب منذ عام 2007، احتراماً متزايداً للحقوق المدنية وحصانة المدنيين على مدى الخمس السنوات الماضية من الاحتجاجات أكثر مما هي عليه الأجهزة الأمنية القائمة المدربة من قبل الولايات المتحدة. كما إن الجيش الجنوبي المتقاعد على دراية بالتضاريس التي تستخدمها القاعدة لشن عمليات قتل جماعي ضد المدنيين في العالم. كما يجب تشجيع عبد الملك الحوثي على تخصيص علاقات متبادلة، كحد أدنى، والانضمام إلى وحدات مكافحة الإرهاب والوحدات العسكرية. إن إدراج الجيش الجنوبي المتقاعد وقادة الحوثيين في جبهة واحدة هو بمثابة كبح مزدوج لتغلغل تنظيم القاعدة بشكل وجيه جدا في القوات الموجودة.
المصالحة
سيعتبر طي كل الحروب القبلية بأنه إقدام شريف، ويجب إنهائها، وسيسعي رجال القبائل للاستفادة من نظام المحاكم لحل النزاعات. وتعتمد آلية الانتقال المؤقتة على رجال القبائل وكافة المواطنين في إنشاء مراكز المجتمع (مراكز محلية) وفقا للقواعد المحلية وفي إطار المعايير الوطنية.
كما أن للمصالحة بين المؤتمر الشعبي العام والشباب الثوري أولوية مهمة. فبينما سيكون من المهم إنشاء محكمة لجرائم الحرب المتعلقة بجرائم ضد المواطنين اليمنيين، فإنه يجب تجنب المحاكمات السريعة و أحكام الإعدام، باستثناء ربما أولئك المجرمين من المستوى الكبير، الذين يمكن أيضا أن يحاكموا من قبل المحكمة الجنائية الدولية. أما أولئك الذين حوكموا وأدينوا في قضايا فساد صغيرة ينبغي أن يعملوا على خدمة المجتمع بدلا من فترة سجنهم.
يجب أن تتحقق مطالب الجنوب في الحقوق المتساوية واحترام التاريخ والهوية الجنوبية، وكذلك الاستفتاء. إن ممثلي استقلال الجنوب عليهم واجبات تجاه جماهيرهم المحلية، بمن فيهم أولئك غير المؤيدين لهم، وذلك في وضع الاحتياجات الطبية للجنوبيين قبل المطالب السياسية خلال الفترة المؤقتة.
وسيتم بذل جهود خاصة على الصعيدين المحلي والوطني تجاه الفئات المهمشة والأقليات الضعيفة، مثل الأخدام والصوماليين واليهود والبهائيين والمسيحيين. فعلى قاعدة ضمان الحقوق المتساوية لجميع اليمنيين، تتطلب الآلية الانتقالية المؤقتة حماية متساوية لجميع الأجناس والأعراق والأديان دون تمييز مؤسسي أو معياري من قبل الأغلبية.
اليوم الذي يلي رحيل صالح
يطالب الشباب اليمني الثوري بمجلس أمناء انتقالي من تسعة أشخاص من ذوي القيم الفاضلة، وبدوره سيقوم المجلس في وقت لاحق بتعيين حكومة تكنوقراط ولجنة اتصال عسكري. لكن الشرط الأساسي في ذلك الأمر هو أن تكون شخصيات قادرة على أن تحوز على ثقة وطنية في قدرتها على التعامل بنزاهة وحيادية مع جميع مكونات المصالح المتنافسة، وذلك من أجل الإشراف على الفترة الانتقالية حتى تجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وكدولة ثورية، يجب أن توافق التكتلات الرئيسية المهتمة على الأعضاء، إلا أنه بالمقابل، ينبغي على المجلس أن يكون سياسيا ويمثل المصلحة المثلى للشعب، وليس المصلحة الذاتية لجماعة أو هوية، على اعتبار أن جماهير الأنصار العريضة قد جرى تنظيمها مسبقاً عن طريق أحزاب اللقاء المشترك, لجنة الحوار الوطني، الحراك الجنوبي، والتحالفات القبلية و الحوثيين. وبالتالي، يجب على تلك التكوينات المذكورة آنفا الموافقة على مرشحين موثوق بهم، وتتم الموافقة على المرشحين من جميع المكونات، وألا يكن أي منهم ممثلاً عن أي واحدة من التكتلات، وذلك في غضون 48 ساعة من مغادرة صالح، وأن تدعم جهود المجلس الوطني الانتقالي، لا أن تضعف مكانته. إذا تم تشكيل المجلس من ممثلين عن كل مجموعة، فإنه سيؤدي بعدها إلى زيادة الانقسامات بين الشعب، وسيقعون في تتنافس مع بعضهم البعض على الموارد والسلطة. فالمهمة الأولى للمجلس هي العمل على المصلحة الوطنية، لما فيه الخير المتساوي لكل مواطن وليس لتقديم أحدهم على آخر.
وسوف يتخذ مجلس الأمناء على الفور معايير وإجراءات وطنية خاصة بمراكز المجتمع. وعند الحصول على قاعدة البيانات المجتمعية، سيخصص مجلس الأمناء مجالات إعادة التأهيل، بما في ذلك الصحة، والكهرباء، والتنمية الاقتصادية، والحقوق المدنية، والسجون. وسوف يختارون المدراء الأكثر تأهيلاً للإشراف على القوي العاملة التي تم تحديدها من خلال الطلبات المقدمة إلى المراكز المجتمعية خلال فترة التعداد. وبالرغم من أن المحافظات والمجتمعات المختلفة لديها احتياجات مختلفة ومتفاوتة عن بعضها البعض، إلا أنه لا بد من تطبيق كافة الإجراءات بشكل موحد إلى الحد الذي تكون فيه، على سبيل المثال، المراكز الطبية في ذمار مجهزة مثلها مثل نظيراتها في تعز.
وسيقوم الأمناء الوطنيين بتنظيم والإشراف على عديد من المهام الهامة، مثل مراجعة ميزانية الحكومة. ويتعين إجراء مراجعة للدستور لتشخيص المواد التمييزية والخطرة، وتعليق العمل بها، مثل تلك المتعلقة بوسائل الإعلام، إلا أن التنقيحات الدستورية ينبغي أن يضطلع بها برلمان منتخب، بحسب الأصول المتبعة. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن تتمحور الوظيفة الأساسية للأمناء الوطنين في التركيز على بناء وتمكين الهياكل البيروقراطية والإدارية والتمثيلية على الصعيد المحلي البحت، وبالتالي، لا يمكن إنجاز هذا العمل إلا بمشاركة الملايين من اليمنيين، وعليه، فإن هذه هي المشاركة على وجه التحديد التي من شأنها أن تحول دون ظهور حكم استبدادي جديد في اليمن.
------------
*جين نوفاك، محللة أمريكية في الشأن اليمني منذ وقت طويل، معروفة جيداً في اليمن والشرق الأوسط. حجبت الحكومة اليمنية موقعها الإلكتروني www.armiesofliberation.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق