د. عبد الله الفقيه
أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاءعن صحيفة اليقين، العدد 4 ، 30 اكتوبر 2010
أصبحت جزيرة سقطرى فجأة محل اهتمام عدد من مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام وتحول الحديث الخافت عن تنافس دولي على الجزيرة التي تبلغ مساحتها 3500 كيلو متر مربع إلى صيحات تتردد من هنا وهناك. وتناقلت وسائل الأعلام خلال الأيام الماضية أنباء عن تقديم الصومال مذكرة إلى الأمم المتحدة تطالب باعتبار أرخبيل سقطرة جزء من الصومال على اعتبار أن الأرخبيل الذي يعتبر جزء من الجمهورية اليمنية هو اقرب في موقعه الجغرافي إلي الصومال منه إلى اليمن. وقد تناقلت بعض المواقع اليمنية المشبوهة مؤخرا على لسان ما أسمته بخبير عسكري عربي قوله بأن جزيرة سقطرة قد أصبحت قاعدة عسكرية أمريكية الإ أن الواضح أن الخبر مفبرك وربما كان مصدره دوائر النظام. وذهبت صحف ومواقع وكتاب مقربون من النظام إلى التأكيد بان توقف الخطوط الجوية اليمنية عن القيام برحلات إلى جزيرة سقطرى المعزولة عن اليمن ربما كان سببه أن الجزيرة قد تحولت بالفعل إلى قاعدة عسكرية. ولا يستبعد أن تكون الحكومتين اليمنية والأمريكية تقفان خلف الأخبار والتسريبات التي تطلق كبالونات اختبار لردود فعل القوى السياسية المحلية والإقليمية والدولية.
ويمكن لأي قوة عسكرية في العالم تتمكن من بناء قاعدة برية وبحرية في سقطرى أن تصبح قادرة على حماية أو السيطرة على أربعة من أهم المضايق المائية في العالم وهي مضيق هرمز الذي يفصل الإمارات عن إيران، مضيق باب المندب الذي يفصل بين اليمن وجيبوتي وقناة السويس التي تمر عبر جمهورية مصر العربية، ومضيق ملقا الذي يفصل بين اندونيسيا وماليزيا. ضف إلى ذلك إن بإمكانه توجيه ضربات بالطيران أو الصواريخ إلى إيران وأفغانستان وباكستان والعراق والى كثير من الدول الواقعة على حوض البحر المتوسط وفي القارة الأفريقية دون أن يخشى تلقي ضربات مقابلة.
ومع أن نشوء صراع بين اليمن والصومال حول ملكية سقطرى في المستقبل هو أمر محتمل لأسباب كثيرة الإ أن مثل ذلك الصراع لا وجود له اليوم ولعل الغرض من تسريب خبر عن صراع مزعوم هو تهيئة الرأي العام لأمر ما أو تليين موقف طرف ما. والصراع الوحيد الذي تلوح بوادره اليوم حول جزيرة سقطرة التي تقع على مفترق طرق في المحيط الهندي ليس بين الدولة الفاشلة التي تسمى الصومال والدولة التي يتهددها الفشل والمسماة باليمن بل هو بين القوى الدولية وخصوصا بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
بالنسبة للروس، الذين اتخذوا خلال العقدين الأخيرين من الحرب الباردة من الجزء الجنوبي من اليمن بما في ذلك جزيرة سقطرى قاعدة عسكرية ، فقد عبروا في عام 2009 صراحة عن رغبتهم في بناء قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرة إلى جانب بعض القواعد الأخرى في المنطقة لكن هناك الكثير من الشكوك حول جدية وقدرة روسيا في هذا الظرف بالذات على المضي قدما في وضع تطلعاتها المستقبلية موضع التنفيذ.
وبالنسبة للأمريكيين فان تطلعهم إلى بناء قاعدة في جزيرة سقطرة ربما يرجع إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى وتحديدا إلى عصر ضابط البحرية وعالم الإستراتيجية الأمريكي الفرد ماهان الذي ولد في عام 1840 وتوفي في عام 1914 والذي كان قد كتب في إحدى مؤلفاته أن من يسيطر على المحيط الهندي سيصبح لاعبا رئيسيا على الساحة الدولية. وفي إطار السعي الأمريكي للسيطرة على المحيط الهندي بنت الولايات المتحدة قاعدة دياجو جارسيا في ارخبيل تشاجوس على بعد حوالي 3 ألف كيلو متر من جزيرة سقطرة.
وإذا كانت طبيعة الصراع خلال الحرب الباردة (1945 وحتى عام 1990 ) والتواجد السوفييتي القوي في المنطقة قد جعلت الأمريكيين يصرفون النظر عن جزيرة سقطرة، فان الكثير من التطورات التي شهدها العالم في العشرين سنة الماضية والتي بدأت بانهيار الإتحاد السوفييتي، مرورا بأحداث سبتمبر وظهور الصين كقوة تجارية وصناعية كبرى ، وانتهاء بالحرب على الإرهاب واحتلال العراق والقرصنة والخلاف مع إيران، وغيرها من العوامل، كلها جعلت الاهتمام الأمريكي بسقطرى يعود من جديد بقوة هذه المرة.
وقد ظهرت التطلعات الأمريكية لتأسيس قاعدة عسكرية جوية وبحرية في جزيرة سقطرة بشكل واضح من خلال السعي الأمريكي لاحتواء التطلعات الروسية لبناء قاعدة في الجزيرة والتي كان أبرزها الزيارة التي قام بها الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات المركزية الأمريكية إلى اليمن في 2 يناير 2010 والتي خرجت بعدها مجلة النيوزويك الأمريكية بخبر عن توجه امريكي لتطوير سقطرة لتصبح قاعدة عسكرية كاملة. أما وسائل الإعلام الإيرانية فقد خرجت بعدها باتهام للرئيس اليمني بتسليم جزيرة سقطرى للأمريكيين. وبعد أيام من زيارة بترايوس إلى صنعاء أعلنت روسيا تمسكها بمطلب بناء قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرة.
ولعل المشكلة التي تواجه الأمريكيين في سعيهم إلى بناء قاعدة عسكرية في سقطرى هي مشكلة مادية. فالحديث عن قاعدة عسكرية يعني مطارات وموانئ ومنشئات وتجهيزات تحتاج إلى مليارات الدولارات وهو ما لا يتوفر للولايات المتحدة خلال الفترة الحالية. وربما أن الأمريكيين يسعون للحصول على موضع قدم فحسب وبما يكفل منع أي قوة أخرى من محاولة ملء الفراغ في المنطقة. أما ما عدا ذلك، فسيتم تركه للمستقبل.
وبالنسبة للحكومة اليمنية فان التنافس الدولي على جزيرة سقطرى والذي يتوقع أن يزداد خلال السنوات القادمة ليشمل كل من الصين واليابان وإيران وربما بعض دول الإقليم فانه يحمل معه العديد من الفرص. أما المخاطر التي يحملها فهي بالتأكيد اقل بكثير من المخاطر التي يحملها بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه.
ولعل أهم الفرص المتاحة هي الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام مؤخرا عن رغبة قطرية في الاستثمار السياحي في جزيرة سقطرى. وإذا ما صحت تلك الأنباء، وهي بالتأكيد صحيحة فان أمام الحكومة اليمنية فرصة بطرح الجزيرة ككل كمشروع سياحي وتجاري للتطوير على الأشقاء القطريين الذين يملكون احتياطيات مالية كبيرة ستمكنهم من تطوير البنية التحتية في الجزيرة وإنشاء المشروعات السياحية العملاقة التي لن تستطيع الحكومة اليمنية إنشائها. وبإمكان الحكومة اليمنية أن تطالب في مقابل منح الإخوة القطريين امتياز تطوير الجزيرة بمبلغ مالي مناسب كمقدم عقد يمكن توظيفه في انتشال اليمن من حالة الفقر والتخلف الذي تعيشه. وإذا لم يبد القطريون رغبة في مثل هذه الترتيبات فان بإمكان الحكومة اليمنية طرح مشروع تطوير سقطرى على الدول/الشركات الراغبة من خلال مناقصة دولية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق