د. عبد الله الفقيه
أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاءعن صحيفة اليقين، العدد 1
10 أكتوبر 2010
نظم معهد الولايات المتحدة للسلام في واشنطن القريب من وزارة الخارجية الأمريكية يوم 8 سبتمبر 2010 ندوة بعنوان "إستراتيجية الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب في اليمن." وقد تحدث في الندوة، التي أدارها ستفن هيدمان، نائب رئيس المعهد ورئيس المجموعة المختصة باليمن، السفير دانيال بنيامين منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية وحضرها كل من توم كراجكسي وبربرا بودين السفيرين الأمريكيين السابقين في اليمن ولس كامبل مدير المعهد الوطني الديمقراطي الأمريكي لشئون الشرق الأوسط. وقد تابعت وقائع الندوة عبر "الوب كاست" وأثناء النقاش سألت السيد بنيامين عن ما اذا كانت الولايات المتحدة تتحدث في اليمن بصوت واحد أو بعدة أصوات وعن الطرف صاحب اليد العليا في اليمن .. هل هو وزارة الدفاع أو المخابرات المركزية الأمريكية وذلك على اعتبار أن وزارة الخارجية التي يفترض أن تكون المسيطرة تبدو باستمرار بمثابة الطرف الأضعف بين الجهات الثلاث وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي الأمريكي.
وقد طرحت السؤال لسببين. السبب الأول هو أن الإستراتيجية الأمريكية تجاه اليمن كما سمعتها خلال الندوة قد جاءت كما فهمتها كمحاولة للتوفيق بين ثلاث أجندات متنافسة وربما أيضا متناقضة وهي: أجندة السي أي إيه، أجندة وزارة الدفاع، وأجندة وزارة الخارجية.
أما السبب الثاني فهو أن بنيامين قد بدأ حديثه في الندوة بالتعليق على خبر كانت صحيفة الواشنطن بوست المقربة من المخابرات المركزية الأمريكية نشرته في 24 أغسطس 2010 قالت فيه أن محللي سي أي إيه يرون ولأول مرة منذ عام 2001 أن قاعدة الجزيرة التي تتخذ من اليمن مقرا لها باتت أكثر خطورة على الأمن القومي الأمريكي من القاعدة الأم التي تتخذ من الباكستان مقرا لها، وان أولئك المحللين برروا تقييمهم بأنه نتيجة للضربات التي وجهتها طائرات البردتورز التي تطير بدون طيار وتشغلها المخابرات.
وقد علق بنيامين على ما ورد في الواشنطن بوست بقوله انه لا يوجد لدى الإدارة الأمريكية نظاما للتقييم من ذلك النوع وان مثل ذلك التصريح الذي أوردته الصحيفة لا قيمة له. فالإرهاب النابع من اليمن، كما قال يمثل احد الاهتمامات الأمنية الرئيسية لكن القاعدة في باكستان تظل منظمة إرهابية ذات خطر هائل وغير عادي. ولا يخلو رد بنيامين رغم دبلوماسيته من تقليل من شأن النجاحات التي تدعي السي آي إيه تحقيقها في باكستان وتسعى لتكرارها في اليمن.
عودة إلى سؤالي، فقد رد بنيامين عليه بقوله أن السياسة الأمريكية تجاه اليمن تم تطويرها بالتعاون بين الجهات الثلاث أي بين وزارتي الدفاع والخارجية والسي أي إيه وان الولايات المتحدة تتحدث بصوت واحد في اليمن وانه أذا كان هناك من له اليد العليا بشأن السياسة الأمريكية في اليمن فهو الرئيس الأمريكي. وهذا الرد يمكن قبوله على المستوى النظري فقط. أما على المستوى العملي فان الوضع يبدو أكثر تعقيدا.
فعقب حديث بنيامين بحوالي أسبوع فقط نشرت صحيفة نيويورك تايمز خبرا ذكرت فيه وجود انقسامات عميقة بين وزارتي الخارجية والدفاع حول حجم الدعم العسكري المقترح لليمن والفترة الزمنية التي يغطيها ذلك الدعم. ففي حين اقترحت وزارة الدفاع إنفاق 1.2 مليار دولار خلال خمس سنوات في برنامج لتجهيز وتدريب الجيش اليمني فان مسئولين في الخارجية الأمريكية يعارضون التوجه بشدة. ويذهب مسئولون كبار في الخارجية الأمريكية بالإضافة إلى ستفن سش السفير الأمريكي الذي انتهت فترة عمله في صنعاء مؤخرا في معارضتهم لخطة وزارة الدفاع إلى القول بان وجود 500 إلى 600 عضو في القاعدة في اليمن لا يبرر بناء جيش بمعايير القرن الواحد والعشرين في دولة هي الأفقر في العالم العربي. أما موقف وزارة الدفاع فقد عبر عنه احد المسئولين بقوله "إذا كنا سنفعل هذا الشيء فلا بد أن نفعله بالطريقة الصحيحة بدلا من تقديم الدعم بالقطارة ثم إذا ساءت الأوضاع بدأنا في التساؤل عن الأسباب" مضيفا في إشارة إلى الوضع في اليمن "أنه مثل حريق في الغابة، تحاول جاهدا إخماده، ولا تقضي الوقت في التفرج عليه."
وبالنظر إلى الحجم المتواضع للمبلغ، وطول الفترة الزمنية التي سيقدم خلالها، وتواضع ما يمكن تحقيقه من خلال البرنامج فان الواضح أن الخلاف بين الخارجية والدفاع يبدو ابعد في نطاقه من الموضوع المطروح. ومع أن التنافس والاختلافات بين الجهات الأمريكية يعد أمرا طبيعيا ومتجذر في الفلسفة والبنية الدستورية للنظام السياسي الأمريكي الإ أن تلك الخلافات قد تعني غياب الرؤية المتفق حولها بشأن ما ينبغي فعله بشأن الحريق المشتعل في الغابة. وصحيح ان الرئيس اوباما كما يرجح محللون إستراتيجيون أمريكيون سيدعم خطة الدفاع على حساب الخارجية الإ ان ذلك وحده قد لا يكون كافيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق