الأحد، 8 أغسطس 2010

اليمن المطلوب تغييره (الفصل الثاني عشر: فقر الدعم الخارجي)


"لا نريد فلسا واحدا إلى الخزينة العامة للدولة."
الرئيس علي عبد الله صالح مخاطبا مؤتمر لندن للمانحين في منتصف نوفمبر 2006 ومحاولا امتصاص مخاوف المانحين من ان الدعم المقدم لليمن من قبل المانحين يتم التلاعب به بسبب الفساد. 

"اليمن تطالب المانحين"..جملة تقرأها بشكل متكرر في عناوين الصحف..تارة تطالبهم بدعم جهودها في "مكافحة الإرهاب والمخدرات والقرصنة البحرية"[1]، وتارة ثانية  ب"دعم الإصلاحات القضائية وتطوير العملية التعليمية"[2]، وتارة ثالثة بدعم جهودها في بناء ما دمرته الحرب في محافظة صعدة، ورابعة بدعم الحكم المحلي، وخامسة بدعم التنمية، وسادسة بدعم الديمقراطية، وسابعة بدعم الانتخابات، وثامنة بإغاثة المنكوبين بالسيول في محافظتي حضرموت والمهرة،[3] وتاسعة، وعاشرة.  وكلما كثرت المطالبات وتشتت، قلت استجابة الدول. فتسول الدول لا يختلف كثيرا عن تسول الأفراد. ففي الحالتين، هناك خطورة من تحول التسول إلى مهنة.     
وهناك الكثير من الطرق التي يمكن للعالم الخارجي ان يساعد بها اليمن للخروج من أوضاعه السيئة. فهناك المساعدات، التي تقدمها دولة، أو مجموعة من الدول، إما بشكل مباشر، أو من خلال منظمة دولية وذلك لتحقيق هدف معين..بناء مدرسة، أو وزارة، أو مكتبة وطنية...تجهيز وحدة صحية..أو رصف أو سفلتة طريق..أو تنفيذ دراسة..أو تدريب مجموعة من المسئولين الحكوميين أو غير ذلك من الأنشطة.  
وهناك القروض الميسرة التي يتم تقيمها لمساعدة دولة معينة للوقوف على قدميها وإحداث التغيير المطلوب. وسواء أكانت تلك القروض من دولة، أو من منظمة تضم في عضويتها عددا من الدول، فان كونها قروض يعني ان هناك أقساط ستدفع سنويا. وكونها ميسرة يعني ان معدل الفائدة عليها منخفض، لكنه لا يعني انه ليس هناك فوائد عليها.. 
وهناك الاستثمارات الخارجية التي تتمثل في قدوم الأجانب للاستثمار في اليمن وبالتالي مساعدة البلاد على النهوض الاقتصادي..وتعتبر قدرة البلاد على اجتذاب الاستثمارات الخارجية في قطاعات غير النفط والغاز مؤشرا هاما على ان البلاد تتجه نحو نهضة اقتصادية كبيرة. 
ويمكن للعالم الخارجي مساعدة اليمن أيضا عن طريق لسماح بعض الدول لليمنيين بالعمل في تلك الدول وتحويل عائدات عملهم إلى بلدهم الأم. وأيا كان شكل الدعم الخارجي، فانه ان تم تحقيق الاستفادة القصوى منه، قد يمثل عاملا هاما في الدفع بالتنمية وإخراج البلاد من دائرة الفقر والجهل والمرض والبطالة.   
بلغ الدعم الخارجي للتنمية في اليمن خلال عام 2005، كما هو مبين في الجدول رقم (63)، حوالي ثلث مليار دولار، أو أكثر من ذلك بقليل،  في حين بلغ الدعم المقدم لمصر قرابة المليار، والسودان على حوالي مليارين. وحصلت المغرب والأردن،  كل حده، على قرابة ثلثي المليار دولار أو ضعف ما حصلت عليه اليمن. وبلغ نصيب اليمني خلال عام 2005  من الدعم الخارجي للتنمية 16  دولارا. وقبل مؤتمر لندن للمانحين والذي عقد في نوفمبر 2006 كان نصيب الفرد من الدعم الخارجي لا يتجاوز ال13 دولارا وهو ما يساوي الثلث من متوسط ما يحصل عليه الفرد في الدول النامية من الدعم الخارجي المخصص لتنمية.[4]  وفي مقابل المعدل السنوي الضئيل الذي يحصل عليه اليمني من الدعم الخارجي للتنمية في عام 2005، فقد بلغ نصيب الفرد الجيبوتي قرابة 100 دولار، والسوداني قرابة 50 دولار، والأردني قرابة 115 دولار، واللبناني قرابة 68 دولار.
فلماذا يتحول العالم إلى حاتم الطائي  في دعم التنمية عندما يتعامل مع الأردني واللبناني والسوداني ثم يبلغ به البخل ذروته عندما يصل إلى اليمن؟  وما هو القاسم المشترك بين المصري، والسوري، واليمني، والذي يجعلهما الأقل تلقيا للدعم الخارجي مقارنة بالسكان؟
جدول رقم (63) الدعم الخارجي لليمن وبعض الدول العربية الأخرى
الدولة
الدعم الخارجي  للتنمية بملايين الدولارات 2005
نصيب الفرد من الدعم الخارجي للتنمية  2005
الأردن
622
114.9
لبنان
243
67.9
تونس
376.5
37.6
الجزائر
370.6
11.3
سوريا
77.9
4.1
مصر
925.9
12.5
المغرب
651.8
21.6
السودان
1,828.60
50.5
جيبوتي
78.6
99.1
اليمن
335.9
16
Source: UNDP, Human Development Report  2007-2008
ربما كانت التنمية في مصر وسوريا، وعلى ضوء المؤشرات التي تم إيرادها ومناقشتها في الفصول السابقة من هذا الكتاب، قد بلغت مستويات لم يعد معها المجتمع الدولي يرى انه من المناسب دعمها، لان الدعم الدولي للتنمية يتجه للدول الأقل نموا. أما بالنسبة لليمن، والتي تبين الفصول السابقة الوضع المزري للتنمية فيها، فان التفسير المنطقي لانخفاض الدعم الخارجي لا يخرج عن واحد من ثلاثة احتمالات. فإما ان اليمنيين لا يبذلون الجهد الكافي للحصول على الدعم الخارجي للتنمية، أو أنهم يسيئون استخدام ذلك الدعم عندما يحصلون عليه. أما الاحتمال الثالث، فهو ان اليمنيين لا يبذلون الدعم الكافي للحصول على الدعم، وعندما يحصلون على الدعم  المحدود فإنهم يفشلون في تحقيق الاستفادة منه. 
وللتمثيل فقط فقد وصلت تعهدات المانحين بتقديم قروض ميسرة ومساعدات للجمهورية اليمنية بحلول نوفمبر 2008، حوالي 5.5 مليار دولار منها حوالي 2.7  مليار دولار من دول الخليج  العربي مقدمة من كل من السعودية التي التزمت ب  1.2 مليار دولار،  عمان 0.1  مليار دولار، الإمارات 0.7 مليار، قطر0.5 ، والكويت 0.2 مليار دولار.[5] وتعهد بنك التنمية الإسلامية بتقديم 0.2 مليار دولار، والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ب0.8 مليار دولار، والبنك الدولي 0.4 مليار دولار، وصندوق النقد العربي ب0.22  مليار دولار.
وبالرغم من ان معظم تعهدات المانحين ترجع إلى مؤتمر لندن للمانحين ،والذي عقد في الفترة من 15 وحتى 16 نوفمبر عام 2006 ، ومخصصة للسنوات 2007-2010،  الإ انه مع نهاية عام 2008  كان قد تم التوقيع مع المانحين على حوالي 27%  فقط من تلك التعهدات.[6]
والأسوأ من ذلك هو ان الأزمة المالية التي عصفت بأسواق المال والأعمال العالمية، وما نتج عنها ولحق بها من انهيار لأسعار النفط مع نهاية عام 2008 قد ألقى بظلال من الشك حول إمكانية إيفاء المانحين بتعهداتهم لليمن في ظل الظروف المالية والاقتصادية الجديدة.  ويزيد من حالة الشك حقيقة ان الحكومة اليمنية ذاتها اتخذت قرارا بتخفيض موازنتها لعام 2009 بمقدار 50% وذلك البدء بتنفيذها، وهو ما يعني ان الحكومة اليمنية قد لا تتمكن من الوفاء بالجزء الخاص بها في تمويل بعض المشروعات الاستثمارية، وقد لا تتمكن بالتالي من الاستفادة من الدعم الخارجي حتى وان أوفى المانحون بالجزء الخاص بهم.  وكانت اليمن قد تمكنت من الاستفادة من 20% فقط من تعهدات المانحين في مؤتمر باريس عام 2002.[7]    
وحيث ان جزءا كبيرا من الدعم الخارجي للتنمية يأتي على شكل قروض، فانه لا بد من الإشارة هنا إلى ان إجمالي الدين الخارجي لليمن قد بلغ،  مع نهاية عام 2008، حوالي 6  مليار دولار أو ما يعادل 22 % من حجم الناتج المحلي الإجمالي. [8]        
يقصد بالاستثمار الخارجي قيام الشركات ورجال الأعمال باستثمار أموالهم أو أموال المودعين في دولة أخرى تختلف عن دولتهم الأم. ويساعد الاستثمار الخارجي المباشر الدولة المستضيفة على  خلق فرص العمل،  وتطوير مواردها البشرية، وتحقيق النمو الاقتصادي، ونقل التكنولوجيا، وزيادة الموارد المالية للدولة.  وباختصار، فانه يخلق الموارد المالية التي تحتاجها الدولة لخلق فرص العمل وتحقيق النمو الاقتصادي، وتحسين أوضاع المعيشة.
وقد بلغت نسبة الاستثمارات الخارجية المباشرة إلى الدخل المحلي الإجمالي في اليمن في عام 2005، كما هو مبين في الجدول رقم 64، حوالي (-1.8 %) وهو ما يعني ان اليمن خسرت ما يعادل  2% من دخلها المحلي الإجمالي من الاستثمارات الخارجية خلال ذلك العام.
ويلاحظ ان وضع اليمن بالنسبة للاستثمار الخارجي خلال عام 2005 هو الأسوأ من بين الدول الواردة في الجدول الواردة في الجدول رقم 64.  فقد حصلت الأردن مثلا على ما يعادل 12.1 % من دخلها المحلي الإجمالي على شكل استثمارات خارجية مباشرة، وحصل لبنان على 11.7% ومصر على ما يعادل 6%. 
جدول رقم (64): نسبة الاستثمارات الخارجية المباشرة في اليمن وبعض الدول العربية الأخرى إلى الدخل المحلي الإجمالي (2005)
الدولة
النسبة
الأردن
12.1
لبنان
11.7
تونس
2.5
الجزائر
1.1
سوريا
1.6
مصر
6
المغرب
3
السودان
8.4
جيبوتي
3.2
اليمن
-1.8
Source: UNDP, Human Development Report  2007-2008
ورغم ان الاستثمارات الخارجية تشكل احد المفاتيح الهامة للنهوض الاقتصادي، بما يعنيه ذلك من خلق فرص العمل لمئات الآلاف من العاطلين ومن زيادة لمعدل النمو الاقتصادي،  الإ ان هناك العديد من العوائق التي تحول بين اليمن وبين الاستثمار الخارجي. وهناك العديد من العوامل التي تتشابك مع بعضها  وتشكل بيئة طاردة للاستثمار الخارجي ومثبطة للاستثمار  المحلي.
وهناك الكثير من العوامل التي لا تشجع الأجانب على الاستثمار في اليمن. واهم تلك العوامل هي ضعف الحكم، والذي يتبدى من خلال حوادث الاختطاف والإرهاب والسرقات،  والضرائب العالية، والتهريب،  وغياب المنافسة العادلة في السوق، وضعف الخدمات الأساسية وخصوصا الكهرباء والماء، ومشاكل الأراضي ، والفساد الذي يجعل موظفي الدولة يحصلون على الكثير من الرشاوي من المستثمرين.   
وعند مقارنة اليمن ب181  دولة  في العالم جاءت اليمن، في عام 2009 ، في المرتبة  رقم 98  من حيث سهولة الاستثمار.[9]  وجاء ترتيب اليمن في المرتبة 172،  بالنسبة للحصول على التمويل لتكون بذلك واحدة من أسوأ 10 دول في العالم. اما في  مجال حماية المستثمرين فقد جاء ترتيب اليمن في المرتبة 126.[10]  وحصلت اليمن على المركز 138  بالنسبة للضرائب وعلى المرتبة 126 في سهولة الاستيراد والتصدير.[11]





[1] "اليمن تطالب المانحين بدعم جهودها في مكافحة الإرهاب والمخدرات والقرصنة البحرية، الثورة، العدد (16038)، 9 أكتوبر 2008 ، 1
[2] "اليمن يبحث والمانحين دعم برامج تحديث الإصلاحات القضائية وتطوير العملية التعليمية"، السياسية، العدد (20333)، 5 مايو 2008، 3
[3] "غدا..لقاء للمانحين لمناقشة احتياجات المنطقة المنكوبة"، الوحدة، العدد (903)، 5 نوفمبر 2008، 1
[4]   “Donors Pledge Commitment to Yemen’s Development” YemenCG.org, 16 November 2006.
[5]    World Bank, Yemen Economic Update; Fall 2008,  December 2008, 25
[6]  Ibid., 25
[7] "الرئيس اليمني: نأمل ان يكون مؤتمر لندن للمانحين أكثر ايجابية من المؤتمرات السابقة"، الشرق الأوسط، العدد (10215)، 16 نوفمبر 2006.
[8]  World Bank, Yemen Economic Update; Fall 2008,  December 2008, 25, 10
[9] The International Bank for Reconstruction and Development / The World Bank,  Doing Business 2009; Country Profile for Yemen, 2008, 2
[10] Ibid., 2
[11] Ibid., 2

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق