الاثنين، 19 يناير 2009

واخيرا قرعت اجراس الحرية


لعل ابرز ملامح بيان الاستقلال الأمريكي، الذي كتب مسودته توماس جيفرسون وأعلن في عام 1776، هو التأكيد بان "الناس خلقوا سواسية" وهو تأكيد له أهميته في مجتمع تعددي مثل المجتمع الأمريكي. لكن ذلك التأكيد، ومن بعده النصوص الدستورية البراقة التي اقرها مؤتمر فيلادلفيا في صيف عام 1787، لم تشفع للأمريكي الأسود. فقد ظل السود يأنون تحت نيران العبودية حتى تلقف ابرهام لنكولن في عام 1863 صيحة جيفرسون واصدر قرار التخلص من العبودية. ومثله مثل إعلان الاستقلال ومثل نصوص الدستور الأمريكي، ظل قرار التخلص من العبودية بالنسبة للأمريكي الأسود مجرد حبر على ورق عندما تعلق الأمر بالحقوق السياسية، وفي مقدمتها حق التصويت وحق الترشح.

وفي 28 أغسطس عام 1963 ، وبعد 100 سنة على قرار لنكولن بتحرير العبيد، شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن اكبر تجمع للامريكيين السود الذين جاءوا إليها من جميع أرجاء الولايات المتحدة في تظاهرة من اجل الحرية. لقد وعدت امريكا، كما قال داعية الحقوق المدنية القس مارتن لوثر كنج، مواطنيها—كل مواطنيها أبيضهم وأسودهم — في إعلان الاستقلال، وفي نصوص الدستور، وفي قرار إلغاء العبودية، ب"الحياة، الحرية، وحق بلوغ السعادة." لكن الأمريكي الأسود، كما قال كنج مستدركا، ما زال يرزح تحت أغلال الفصل العنصري والتمييز.

لقد كتبت أمريكا لمواطنيها من السود، كما قال كنج، "شيكا" وعندما ذهبوا لصرفه تم إعادته إليهم مكتوبا عليه "الرصيد لا يكفي." وأعلن كنج بان الأمريكيين السود يرفضون التصديق بان بنك العدالة قد أفلس، وبان الرصيد الذي يريدون سحب الشيك منه قد نفذ. وساهمت حركة الحقوق المدنية التي كان كنج ابرز رموزها في إسقاط الفصل العنصري وفي إزالة الحواجز التي كانت تمنع السود من التصويت.

ولعل الشيء الذي لم يتوقعه كنج ، الذي هتف في ال28 من أغسطس 1963 "فلتقرع أجراس الحرية"، هو أن باراك اوباما الذي ولد في عام 1961 وعاصر خلال سنوات طفولته الأولى حركة الحقوق المدنية سيصبح بعد 45 عاما من خطاب كنج، أول رئيس لأمريكا من أصل إفريقي .

ويمثل صعود اوباما، الذي سيتم تنصيبه ليكون الرئيس ال44 للولايات المتحدة الأمريكية يوم الثلاثاء في ال20 من يناير 2009، إلى الموقع الأول في الدولة الأقوى في العالم، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، أهم حدث سياسي شهدته الولايات المتحدة منذ قرار ابرهام لنكولن بإلغاء العبودية في عام 1863. وسيصادف تنصيب اوباما الذكرى ال200 لميلاد ابراهام لنكولن محرر العبيد.

وبين صيحة جيفرسون وصعود شخص من أصل إفريقي إلى رئاسة الولايات المتحدة تمتد مرحلة طويلة من النضال ضد الفصل العنصري والتمييز على أساس اللون والعرق استمرت لأكثر من 232 سنة.

البيت الخراب
سيتسلم الرجل الأسود البيت الأبيض وأمريكا من أدناها إلى أقصاها أشبه ب"البيت الخراب." وسيكون على الرجل الأسود خلال أربع سنوات اجتراح المعجزات لإصلاح ما أفسده الرجل الأبيض خلال عقود. وإذا كان وصول اوباما إلى البيت الأبيض يمثل أولى ثمار التغيير، فان الظروف التي يصل فيها اوباما إلى السلطة قد تثبت أن الوصول إلى البيت الأبيض شيء، ومحاولة تغيير السياسيتين الداخلية والخارجية للإمبراطورية العظمى شيء آخر. فاوباما سيحكم بنفس الطبقة السياسية التي سيطرت على الولايات المتحدة خلال ال232 سنة الماضية. ومن سوء حظه انه يصل إلى البيت الأبيض في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة على الصعيدين الداخلي والخارجي تحديات كبيرة لم يواجه مثلها أي رئيس امريكي سابق. فعلى الصعيد الداخلي تواجه امريكا أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ الكساد الكبير الذي بدأ في عام 1929. أما على الصعيد الخارجي، فان اوباما سيواجه منذ الليلة الأولى له في البيت الأبيض ملفات غزة والعراق وإيران وغيرها الكثير من الملفات التي ستمثل اختبارا صعبا لمصداقية اوباما ولقدرة أمريكا على الاستمرار كقوة مؤثرة في العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق