د. عبد الله الفقيه
أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء
عاش الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، تغمده الله بواسع رحمته، حياة طويلة حافلة بالعطاء وغنية بالأحداث والتطورات. وعاصر الشيخ، منذ ميلاده في حصن حبور ظليمة في حاشد في عام 1933 وحتى وفاته في أواخر عام 2007، الملكية والجمهورية والتشطير والوحدة. عاصر الإمام يحيى حميد الدين والإمام احمد حميد الدين من بعده. وشهدت حياة الشيخ تعاقب خمسة رؤوسا على ما كان يعرف بالجهورية العربية اليمنية أو اليمن الشمالي وخمسة آخرين على ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أو اليمن الجنوبي. وقامت وسقطت خلال حياة الشيخ عشرات الحكومات.
ولا يمكن اختزال 75 عاما من حياة الشيخ ومن تاريخ البلاد في مقال كهذا ولا حتى في مقالات أو كتب أو مجلدات. لكن الكاتب سيحاول في هذا المقال إلقاء الضوء على ثمان سنوات من حياة الشيخ الراحل ومن التاريخ الوطني، وهي السنوات التي بدأت بقيام الثورة في شمال اليمن في عام 1962 وانتهت بالمصالحة بين الملكيين والجمهوريين في عام 1970. ويزعم كاتب هذا المقال ان تلك السنوات الثمان مثلت مفترق طرق في حياة الشيخ. فقد حولته من شيخ لقبائل حاشد إلى شيخ لليمن كلها ومن غريم لآل حميد الدين إلى صانع للرؤساء الجمهوريين، ومن نزيل في سجن المحابشة إلى شيخ للبرلمانيين والدبلوماسيين والى رمز وطني يلتف حوله المشايخ والمثقفون والسياسيون.
الإمامة تحتضر
شهد النصف الأول من القرن ال20 الكثير من الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ الإنساني. وكان ابرز تلك الأحداث هي الثورة الروسية في عام 1917 والحرب العالمية الأولى (1914-1918) وإنشاء عصبة الأمم في 1919 والحرب العالمية الثانية (1939-1945) واختراع الطائرة والقنبلة الذرية وتأسيس الأمم المتحدة. كما شهد أيضا الكثير من التحولات على الصعيد الدولي. فقد تلاشت دول وظهرت أخرى محلها. واضمحلت التعددية القطبية ليحل محلها الثنائية القطبية. أما على الصعيد الإقليمي، فقد شهدت الفترة تقاسم القوى الكبرى للأراضي التي كانت تسيطر عليها الإمبراطورية العثمانية، بدء اضمحلال الإمبراطورية البريطانية، قيام الكيان الصهيوني على أراضي فلسطين، نمو وتصاعد حركات المد القومي والتحرر الوطني، وغيرها من الأحداث التي وضعت المنطقة على عتبة عهد جديد.
ولم تكن اليمن، برغم سياسات العزلة التي اتبعها آل حميد الدين، بعيدة عن المخاضات التي تشهدها الدول العربية الأخرى ودول العالم الثالث بشكل عام. فقد ظهرت في اليمن وتنامت حركة معارضة قوية للإمامة الوراثية التي أسسها محمد حميد الدين في نهاية القرن التاسع عشر وللسياسات الأنانية التي تم إتباعها.
وبلغت المعارضة لآل حميد الدين أوجها باغتيال الإمام يحيى حميد الدين وقيام ما يطلق عليه ب"ثورة 1948" والتي نقلت الإمامة من بيت حميد الدين إلى بيت الوزير. وقد تمكن ولي العهد احمد حميد الدين والملقب بسيف الإسلام من القضاء على ثورة 1948 ، وإعلان نفسه إماما ومنح نفسه لقب "الناصر لدين الله." وأعدم بعد ذلك العشرات من المشاركين في الثورة وفي مقدمتهم عبد الله بن احمد الوزير الذي كان قد عين إماما. وبدلا من أن يعمل على تدارك أخطاء والده وإصلاح أوضاع البلاد والتكيف مع المتغيرات من حوله، فان الإمام احمد وفي تحد للشعب، أصر على السير على نهج أبيه في الوقوف في وجه التغيير وفي سفك دماء معارضيه بما في ذلك بعض إخوانه.
وقد عمل الإمام احمد بسبب شكه بدعم المشايخ لحركة التغيير على استهدافهم. وكان مشايخ حاشد من آل الأحمر في مقدمة المستهدفين بعد ان كان الإمام احمد قد خاض العديد من المعارك الحربية معهم في عهد والده الإمام يحيى، وذلك بهدف تقليص نفوذهم. ومع ان مشايخ بيت الأحمر لم يساندوا ثورة عام 1948 ضد الإمام يحيى الا أن تباطؤهم في الحشد ضد تلك الثورة قد زاد من ضغينة الإمام احمد ضدهم. ولم يكن ممكنا لتلك الضغينة سوى ان تزيد بظهور شعبية الشيخ حميد بن حسين بن ناصر مبخوت الأحمر بين شيوخ القبائل إثناء غياب الإمام احمد في روما للعلاج.
وكما يذكر الشيخ عبد الله في مذكراته، فان حقد الإمام احمد على آل الأحمر هذه المرة لم يكن بسبب زعامتهم لحاشد، بل بسبب شعوره بان الشيخ حميد بن حسين بن ناصر بدأ ينازعه ملكه من خلال قيادة حركة التغيير. ولذلك فقد قام الإمام أحمد فور عودته من روما باعتقال المشايخ الذين التفوا حول حميد بن حسين بن ناصر وهدم بيوتهم وقلع أشجارهم. ولم يكتف الإمام العليل بإيداع الشيخ حسين بن ناصر الأحمر ونجله الشيخ حميد في السجن. بل بلغ به الفجور ان أمر بإعدامهم بينما كان الشيخ عبد الله نفسه يراجعه في إطلاق سراحهم.
وفي تلك الظروف العصيبة في حياته وبعد ان أمر الإمام بإعدام أخيه ثم أبيه من بعده، تم وضع الشيخ عبدالله في سجن المحابشة حيث ظل هناك حتى سقوط الإمامة.
قيام الثورة
تولى الإمام يحيى حميد الدين السلطة لمدة بلغت حوالي الثلاثين سنة (1918-1948). وتولى الإمام أحمد السلطة بعد مقتل أبيه لمدة بلغت حوالي 14 سنة (1948-1962). أما الإمام محمد البدر، نجل الإمام احمد حميد الدين، فلم تزد فترته في السلطة عن الأيام السبع (19 سبتمبر-25 سبتمبر 1962). فقد تحولت الدماء التي سفكها آل حميد الدين في سبيل البقاء في السلطة إلى سيل جارف سرعان ما أطاح، والى الأبد بأذن الله، بالحكم ألإمامي العنصري وأقام على أنقاضه نظاما جمهوريا.
كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ما زال في سجن المحابشة عندما قامت ثورة ال26 من سبتمبر. وقد ابتهج الشيخ الشاب الذي كان على وشك إكمال العقد الثالث من عمره كثيرا بقيام الثورة. ولم يكدر عليه فرحه بقيامها سوى سماعه بان الإمام المخلوع محمد البدر قد تمكن من الخروج من تحت أنقاض قصره وتوجه نحو جبال حجة كما فعل والده الإمام احمد بعد ثورة عام 1948، وانه بدأ في تجميع القبائل لمحاربة الثورة.
وقد أيد الشيخ عبدالله الثورة لحظة سماعه بقيامها دون تردد أو وجل أو خوف من النتائج. ثم توجه إلى صنعاء ليقف في صف الثورة. وقد وصل إليها في ال30 من سبتمبر، أي بعد 4 أيام من قيام الثورة. وعبر إذاعة صنعاء، ألقى الشيخ كلمة دعا فيها حاشد والقبائل الأخرى للالتفاف حول الثورة والجمهورية والدفاع عنهما. ومن صنعاء توجه الشيخ الشاب مصحوبا بسرية من فوج البدر ومجموعة من الضباط نحو حاشد التي خرجت عن بكرة أبيها للقائه. ولم يضع الشيخ وقتا في زيارة عائلته. بل توجه بقبائل حاشد ومن كان معه من ضباط وأفراد الجيش لملاحقة الإمام البدر.
الرعيل الأول
التقى الشيخ عبد الله، ولأول مرة في حياته، بابي الأحرار اليمنيين محمد محمود الزبيري في ال30 من سبتمبر، أي في نفس اليوم الذي وصل فيه إلى صنعاء قادما من المحابشة. كان الزبيري قد وصل بدوره وفي نفس اليوم من القاهرة. وكان الشيخ عبد الله، شأنه شأن الكثير من اليمنيين، قد تأثر بالزبيري وفكره وتوجهاته حتى قبل أن يلتقيا. ويصف الشيخ علاقته بالزبيري بعد قيام الثورة واللقاء وجها لوجه والعمل معا بأنها "علاقة الداعية مع من يؤيده ويتبعه." وقد تأثر الشيخ كثيرا بدعوة الزبيري إلى بناء نظام جمهوري ديمقراطي شوروي جوهره الإسلام ووفقا لمبادئ الثورة. وتأثر أيضا بموقف الزبيري من التواجد المصري في اليمن والذي قام على الترحيب بالدعم العسكري المصري مع معارضة التدخل في الشئون اليمنية.
ولم يكن تأثر الشيخ بالشهيد الزبيري عابرا أو مؤقتا. يقول الشيخ عبد الله انه وبعد استشهاد الزبيري في مطلع ابريل عام 1965 "تعمق شعوري بان الشهيد الزبيري قد أوصاني بمواصلة نهجه ومسيرته ولهذا شعرت باني مسئول وان هذه المسئولية حملني اياها شهيدنا الزبيري وهذا الشعور هو الذي جعلني أواصل السير على هذا النهج وفي خط الزبيري ما استطعت وحتى ألقى الله." وكان الشيخ عبد الله صادقا فيما قال. فقد أثبتت الأحداث اللاحقة والمواقف التي اتخذها الشيخ من كل قضية وفي كل منعطف عمق التأثير الذي تركه الشهيد الزبيري في فكر وسلوك الشيخ عبد الله.
ولم يكن الزبيري هو وحده الذي أثر على توجهات وقناعات الشيخ وان كان الأكثر تأثيرا. ففي خلال تلك الفترة سيلتقي الشيخ وسيتعرف عن قرب وفي أحلك الظروف وأصعب المواقف بالرعيل الأول من المثقفين والوطنيين اليمنيين مثل القاضي عبد الرحمن الإرياني، الأستاذ محمد احمد نعمان، الأستاذ احمد محمد نعمان، الأستاذ عبد الملك الطيب والقاضي عبد السلام صبرة، وغيرهم. وسيتأثر الشيخ ب، كما سيؤثر على الكثير من الذين عرفهم خلال تلك المرحلة.
الأحداث الجسام
تعددت الأدوار التي لعبها الشيخ في الدفاع عن العهد الجديد. ولعل ابرز تلك الأدوار قد تمثلت في العمل العسكري الميداني دفاعا عن الثورة والجمهورية وهو الدور الذي كان له أثره البالغ في تعزيز القناعات والتوجهات السياسية لديه. وستساهم الأحداث الجسام التي شهدتها السنوات الثمان بين 1962-1970 في تشكيل وترسيخ الوعي الوطني والقومي للشيخ. فمجيء المصريين إلى اليمن لدعم الثورة والتضحيات التي قدمها المصريون كان لها أثرها الإيجابي في التوجهات القومية للشيخ والتي ستبرز بعد ذلك في مواقفه الداعمة للقضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها قضية فلسطين.
لكن التدخلات المصرية في الشأن الداخلي ومحاولات الهيمنة على القرار السياسي اليمني أزعجت الشيخ كثيرا وعززت لديه الشعور بأهمية الاستقلال بالإرادة الوطنية. وسيزداد ذلك الشعور قوة بتصاعد الممارسات القمعية للمصريين بشكل مباشر أو من خلال نظام السلال. وسيعارض الشيخ خلال تلك المرحلة محاولات السعوديين والمصريين فرض الحلول على اليمنيين من خلال مؤتمر حرض الذي عقد في نوفمبر 1965. وسيشعر الشيخ عبد الله بمرارة بالغة عندما يعلم بان أعضاء الحكومة اليمنية الذين ذهبوا إلى مصر ليشكو السلال والقوات المصرية إلى عبد الناصر قد تم اعتقالهم ووضعهم في السجون ومعاملتهم كمجرمين.
وسينسى الشيخ عبد الله ومن معه من الجمهوريين خلافاتهم مع المصريين ومع نظام السلام بعد نكسة 5 حزيران. وسيرسل الشيخ ومن معه رسالة إلى الرئيس عبد الناصر يعرضون عليه فيها السفر إلى مصر ب10 ألف مقاتل لمساندة الجيش المصري ودعمه لاسترجاع الأراضي التي استولى عليها العدو.
معارضة العسكر
ثار اليمنيون على حكم آل حميد الدين لأسباب كثيرة أهمها الاستبداد والطغيان وحكم الفرد. وظن اليمنيون عند قيام الثورة أن حكم الفرد ولى إلى غير رجعة. وإذا بهم يفاجئون وهم يحاربون أعداء الثورة من جبل إلى جبل ومن واد إلى واد بان الرئيس السلال ذو الخلفية العسكرية يحاول الإنفراد بالقرار السياسي. وفي الوقت الذي رحب فيه اليمنيون بالدعم العسكري المصري للثورة اليمنية، فإنهم سرعان ما اختلفوا حول التدخل المصري في الشأن السياسي اليمني والذي تجاوز كل حد باعتراض المصريين على تعيين بعض الشخصيات في الحكومة أو حتى في السلك الدبلوماسي.
ومن الواضح ان الشيخ عبدالله ومن خلال تجربته وزملائه مع السلال ومع القيادات العسكرية المصرية ونظام عبد الناصر قد طوروا توجها رافضا للحكم العسكري. ولذلك عمل الشيخ عبد الله وزملاؤه بعد خروج المصريين من اليمن اثر نكسة 5 يونيو حزيران 1967 على نقل الحكم إلى المدنيين والتأكيد على القيادة الجماعية للدولة. وقد تحقق لهم ذلك من خلال حركة ال5 من نوفمبر التي نقلت السلطة من الرئيس عبد الله السلال إلى المجلس الجمهوري الذي ترأسه القاضي عبد الرحمن الإرياني وهو المدني الوحيد من بين 5 رؤوساء تعاقبوا على شمال اليمن.
وسيضاف مبدأي "حكم المدنيين" و" القيادة الجماعية" إلى مبدأ "نظام جمهوري ديمقراطي شوروي" الذي دعا إليه الزبيري وآمن به الشيخ وعمل على تحقيقه في حياته. وخلف هذه المبادئ الثلاثة التي اعتنقها الشيخ يختفي قلق متجذر لديه من مخاطر الحكم الفردي. وربما تعود جذور ذلك القلق ليس فقط إلى تجربة الشيخ مع نظام السلال ولكن أيضا إلى ظروف النشأة الأولى للشيخ والى الطريقة التي حكم بها الإمام يحيى ومن بعده نجله الإمام احمد والتي عاصرها الشيخ كفتى ثم كشاب. وقد تعزز عداء الشيخ للحكم الفردي بفقدانه لوالده وأخيه على يد الإمام احمد.
المجلس الوطني
لم تصل السنوات العاصفة في حياة الشيخ إلى نهايتها بانتقال السلطة إلى المدنيين. فقد أدى خروج القوات المصرية من اليمن وإبعاد السلال عن السلطة إلى فتح شهية الملكيين لإسقاط النظام الجمهوري. وبلغت تطلعات الملكيين ذروتها بحصارهم لصنعاء في مطلع عام 1968. لكن تكاتف الجمهوريين عسكريين ومدنيين والدور الذي لعبه الشيخ عبد الله وغيره من المشايخ وضباط الجيش والفعاليات المدنية والشعبية أدت كلها إلى إفشال الحصار على صنعاء، وكان ذلك في الثلث الأول من شهر فبراير عام 1968. ولم تنته الحرب بانتهاء الحصار. فقد استمرت المعارك في مناطق متفرقة حتى أواخر عام 1969. لكن فشل الحصار الملكي على صنعاء قد أفسح الطريق أمام الجمهوريين للمضي قدما في تحقيق بعض الأهداف والتطلعات.
وكان أهم تلك الأهداف هو تأسيس "المجلس الوطني" الذي سيجسد على ارض الواقع احد التطلعات التي ناضل اليمنيون في سبيل تحقيقها منذ ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. ومع ان المجلس الوطني، الذي عقد أول اجتماع له في منتصف مارس 1969، كان معينا وليس منتخبا الإ انه كان ممثلا لمختلف الفئات الاجتماعية المناصرة للثورة. وقد انتخب المجلس في أول اجتماع له، الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيسا للمجلس. وليس هناك ابلغ في التعبير عن الارتياح الشعبي الذي قوبل به إنشاء المجلس من الرسالة التي بعث بها الأستاذ احمد محمد نعمان إلى الشيخ عبد الله بن حسين بالمناسبة حيث كتب يقول: "اليوم آمنا أن الشعب هو الذي يحكم وانه صاحب السلطة." وأضاف في عبارة تفيض بالمشاعر الصادقة "لقد قلت للكثير أن ظهور عبد الله بن حسين الأحمر على رأس المجلس الوطني هو ظهور حقيقة شعبنا ببطولاته وأمجاده وحضارته وتاريخه." وسيكون أهم منجز للمجلس الوطني هو إقرار الدستور الدائم لما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية.
ومع حلول عام 1970 كان السعوديون قد وصلوا إلى قناعة بصعوبة إعادة الملكية إلى اليمن. ولم يجدوا بعد خروج القوات المصرية من اليمن مبررا للاستمرار في دعم الملكيين. ولذلك عملوا على دعم مصالحة بين الجمهوريين والملكيين وعلى ان يتم الاحتفاظ بالنظام الجمهوري واستيعاب بعض الشخصيات الملكية في الحكومة والمجلس الوطني والسلك الدبلوماسي. وفي 27 يوليو 1970 اعترفت المملكة العربية السعودية بما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية ليكون ذلك الاعتراف بمثابة النهاية لمرحلة عصيبة من التاريخ اليمني.
مرحلة جديدة
تفتح وعي الشيخ عبد الله في العقد الثاني من عمره على مسئوليات الأسرة والقبيلة وعلى العلاقة الصراعية التي ربطت أسرته المشيخية بالأئمة من بيت حميد الدين. وفي العقد الثالث من عمره خبر الشيخ عن قرب ظلم وبطش وغطرسة الأمام احمد حميد الدين. ووجد الشيخ نفسه في سجن المحابشة بعد أن أمر الطاغية بإعدام والده الشيخ حسين بن ناصر وأخيه الشيخ حميد بن حسين بن ناصر الأحمر.
وإذا كان جده الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر قد رجح كفة يحيى حميد الدين في تولي الإمامة فان الشيخ عبد الله خلال العقد الرابع من عمره سيرجح كفة الثورة التي ستطيح بألف ومائة سنة من حكم الأئمة. وإذا كان جده قد حسم الإمامة لصالح يحيى حميد الدين بتلويحة من عصاه، فان حسم ثمان سنوات من الحرب بين الملكلية والجمهورية لصالح الجمهورية ستحتاج إلى خوض الحرب على جبهات متعددة وبأسلحة متنوعة. وستكون السنوات الثمان بين عام 1962 و1970 بمثابة سنوات الخلاص للوطن. أما بالنسبة للشيخ فستكون مرحلة الحرب الأهلية بمثابة سنوات بناء وتثبيت التوجهات الوطنية والقومية والتي ستظل تحكم مواقفه السياسية لما تبقى من حياته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق