واجهت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون بعد الحرب العالمية الثانية تهديدا خطيرا لأمنهم ومصالحهم تمثل في التوسع السوفييتي في أوروبا، ليس بالضرورة عن طريق الغزو العسكري، ولكن ايضا عن طريق صعود حركات واحزاب وتيارات شيوعية الى السلطة في اي بلد اوروبي يقع في الفلك الراسمالي.
ولمنع وصول الشيوعيين الى السلطة، لجأت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الى تشكيل وتسليح وتدريب ودعم جماعات إرهابية بعضها تم تكوينه من العناصر اليمينية المتطرفة، والبعض الآخر جاءت عضويته من عناصر تنتمي الى الأجهزة العسكرية والأمنية وتعمل بالتنسيق مع تلك الأجهزة، وان خارج الدساتير والقوانين.
وكان الهدف الأساسي للولايات المتحدة وحلفائها هو أن تقوم تلك الجماعات بعمليات إرهابية في الدول الأوروبية التي شكلت داخلها وذلك لإبقاء السكان في حالة من الرعب والتوتر وبما من شأنه تعزيز وتعميق الميول السياسية المحافظة وتشجيع الرجعية السياسية. كما كان الهدف أيضا تعميق الكراهية للقوى اليسارية التي عادة ما كان يتم اتهامها بتلك العمليات الإرهابية.
صورة نمطية للإسلامين في اليمن تتكرر كل يوم في صحيفة اليمن اليوم |
استهداف الثورات العربية
تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية وحفاؤها الخليجيون اليوم في مطلع القرن الواحد والعشرين، وفي مواجهة الثورات العربية، الى توظيف نفس الأساليب مع تعديلات طفيفة في أدوار ومواقع اللاعبين، وذلك بهدف منع الإسلاميين من الوصول الى السلطة أو المشاركة فيها أو لتسهيل الإطاحة بهم من السلطة ان كانوا قد وصلوا اليها.
ففي مصر مثلا تم استخدام القوى السلفية واليسارية والقومية والليبرالية لخلق معارضة قوية للإسلاميين، ثم تم الإستعانة بالجيش للإطاحة بهم وقمعهم مستغلين توفر خصائص الدولة القوية في مصر. وقامت الأجهزة العسكرية والأمنية بتشكيل خلايا لتنفيذ عمليات ارهابية تزامن بعضها مع الإطاحة بالإسلاميين وقتلهم في الميادين والساحات ووضعهم في السجون دون تهم حقيقية.
وفي كل الأحوال فقد تم ويتم اتهام الإخوان المسلمين بتلك العمليات الإرهابية وذلك لزرع الخوف بين الناس وربط الدين الإسلامي بالإرهاب، ومنع قيام اي تعاطف مع الإخوان، حتى وان كان ذلك التعاطف على أسس انسانية ووفقا للشرعية الحقوقية الدولية.
صورة نمطية اخرى للإسلاميين في اليمن في صحيفة اليمن اليوم |
أما في اليمن فيتم الرهان على الورقة الطائفية حيث تم دعم الحركة الحوثية العنصرية المتطرفة التي تدعي بالحق المقدس في الحكم لبني هاشم وجرى ويجري تسليحها ودعمها لوجستيا بهدف اشعال حرب طائفية بين الشيعة والسنة شبيهة بالحرب الدائرة في سورية والتي ينظر اليها التحالف الغربي الخليجي على انها تمثل حالة مثالية يتكفل فيها المتشددون الشيعة والمتشددون السنة بالقضاء على بعضهم.
وحيث أن قوات الجيش والأمن في اليمن تتهم بقربها من الإخوان، أو بالولاء للرئيس السابق، فإنه يتم دعم بعض الجماعات اليمينية المتطرفة، مثل انصار الشريعة، للقيام بعمليات إرهابية ضدها كما حدث في الهجوم على وزارة الدفاع اليمنية، والسجن المركزي بصنعاء، ثم يتم إتهام الإخوان المسلمين بالوقوف خلف تلك العمليات. والغرض من استهداف قوات الجيش والأمن هو ضرب روحها المعنوية، وتفكيكها، وجعل الجماعات الإرهابية تتصرف بحرية تامة.
كما يتم ايضا دعم جماعات القاعدة الإرهابية بطرق واساليب مختلفة لزيادة نشاطها وقتل المزيد من الناس، حتى وان اقتضى الأمر تنظيم عمليات لتهريب عناصرها من السجون بما يكفل بقاء تلك الجماعات نشطة، ويبرر عمليات الطائرات بدون طيار وكذلك التدخل الدولي في الشئون الداخلية للبلاد. وبالإضافة الى ذلك، فإنه يتم دعم عناصر النظام السابق، والتيارات اليسارية والقومية للقيام بحملة شيطنة للإسلاميين كما تبين الرسوم الكاريكاتورية المصاحبة لهذا التحليل والمأخوذة من صحيفة "اليمن اليوم" المحسوبة على رئيس اليمن السابق.
أما في تونس فيتم دعم الحركات السلفية المتشددة وجماعات انصار الشريعة التي تقوم باعمال ارهابية واعتداءات على الليبراليين واليساريين، ثم يتم اتهام جبهة النهضة الإسلامية بالقيام بتلك الأعمال. وصحيح ان اسلامي تونس تمكنوا حتى الان من ابطال كافة المؤامرات التي تحاك ضدهم وضد تونس، الإ انهم كسبوا حتى الان معركة فقط، في حين ما زالت الحرب ضدهم مستمرة.
ويبدو الوضع في ليبيا أكثر تعقيدا وخصوصا بعد تورط التحالف الغربي الخليجي في قتل 4 دبلوماسيين أمريكيين في مدينة بنغازي الليبية في سبتمبر 2012 خلال تظاهرات استهدفت على نحو خاص السفارات الأمريكية في دول الثورات العربية وتؤكد الأدلة أن التحالف الغربي الخليجي كان يقف خلفها وأنه استهدف من خلالها ضرب الثورات العربية واقناع الراي العام الأمريكي والغربي بان تلك الثورات قادت الى صعود جماعات متطرفة ومعادية للغرب الى الحكم.
مصير الديمقراطية
لعل ما يشغل الغرب بدرجة رئيسية هو منع الإسلاميين من الوصول الى السلطة في اي دولة من الدول العربية، وربما رأى البعض في العالم العربي أن منع الإسلاميين من الوصول الى السلطة ليس فكرة سيئة على ضوء تجربة إخوان مصر. لكن المشكلة الكبيرة هي أنه من الواضح أن الغرب لا يهتم كثيرا بالديمقراطية أو بحقوق الإنسان قدر إهتمامه بمصالحه، وان المنطقة يمكن ان تقع تحت حكم أنظمة فاشية ونازية لا تحترم للإنسان أي حقوق كما يتضح من ما يحدث في مصر.
وبينما يدير الغرب ظهره للديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن حلفائه الخليجيين وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهم الذين يتولون دفع فواتير الإنشطة الفاشية التي تستهدف الثورات العربية والتي وصل بعضها الى استهداف دول اسلامية تحتكم الى العلمانية مثل تركيا، فإن هدفهم لا يقتصر فقط على منع الإسلاميين من الوصول الى السلطة.
بل إنهم يسعون جاهدين، في ظل شعور غير مبرر بتهديد خطير لبقائهم، الى تمزيق الدول العربية التي شهدت الثورات المنادية بالديمقراطية، والى إعادة الأنظمة الملكية التي سقطت منذ عقود في دول مثل اليمن وليبيا الى الحكم واغتيال طموحات وتطلعات الشعوب العربية نحو الحرية والإنعتاق من الفساد والإستبداد!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق