ليس هناك ما يدعو الى التشاؤم أو القلق بشأن اي اتفاق يتم التوصل اليه في مؤتمر الحوار الوطني بما في ذلك تبني الشكل الإتحادي للدولة بدلا عن الشكل الموحد، وعلى اليمنيين جميعا ان يتفائلوا بشأن نتائج الحوار لأسباب كثيرة. فاعضاء مؤتمر الحوار الوطني كما يعرف الجميع لا يملكون المشروعية ولا الشرعية لإتخاذ قرارات أو ابرام اتفاقات بالنيابة عن اليمنيين. واذا كان اساس المشروعية هو المبادرة الخليجية، فإن المبادرة واضحة تماما بشأن مهام مؤتمر الحوار والتي لا تخرج في مجملها عن تقديم التوصيات.
أما اذا كان اساس المشروعية هو طريقة الحصول على العضوية، فقد تم اختيار اعضاء المؤتمر كما يعرف الجميع سواء ممثلي الأحزاب والتنظيمات السياسية أو ممثلي المجتمع المدني والشباب والمرأة وقائمة الرئيس بطريقة افقدت من تم اختيارهم اي مشروعية تمثيلية.
فالأحزاب كما يقول منير الماوري عضو مؤتمر الحوار اختارت الأعضاء الذين تثق بانه يمكن ادارتهم بالريموت كنترول.ضف الى ذلك ان الأحزاب اختارت ممثليها بدون اي مشاورات حقيقية سواء في المؤسسات الحزبية المركزية أو على مستوى المحافظات والمديريات.
وليس هناك داخل مؤتمر الحوار بما في ذلك رئيس المؤتمر نفسه واعضاء هيئة الرئاسة من يمكنه القول بانه جاء الى مؤتمر الحوار من خلال الية ديمقراطية او تمثيلية واضحة. وحتى رؤوساء الأحزاب الذين اختاروا ممثلي الأحزاب انتهت مشروعيتهم منذ سنين. وفوق كل ذلك فقد اعتور التحضير للمؤتمر وعملية اختيار اعضائه الكثير من الأخطاء الفادحة كان اقلها خطورة تمثيل بعض البيوت بثلاثة اشخاص (الأب والأم والأبن، أو الأب وابنتيه) بينما مثلت بعض الأسر بـستة اشخاص.
وعندما يتعلق الأمر بالشرعية، بمعنى الرضا والقبول، والتي يمكن اكتسابها عن طريق الأداء المتميز فقد اثبت اعضاء مؤتمر الحوار حتى الان من خلال تقارير الفرق والأنشطة المختلفة التي لم تكن سوى تبديدا للوقت ان لديهم قدرة كبيرة على تخييب امال الناس. لقد جاءت التقارير وما اسمي خطأ من قبل الفرق بالقرارات، والأصح التوصيات، مفتقرة الى المنطق والحجة القوية والتماسك الداخلي والى الصياغة التي تجعل من الممكن تحويلها الى نصوص دستورية أو قانونية أو حتى الى سياسات عامة.
وستتوقف، على ضوء ما سبق، اهمية وقابلية التوصيات أو الإتفاقات التي يتم التوصل اليها للتطبيق على قبول اغلبية اليمنيين بها، وهم لن يقبلوا بها الا اذا لبت تطلعاتهم وراعت مصالحهم وتجردت من المصالح الفئوية والشخصية والمناطقية لأعضاء مؤتمر الحوار. ولن يقبل اليمنيون قطعا بقرارات تخدم مصالح متخذيها مثل التمديد للرئيس عبد ربه منصور هادي او تحويل مؤتمر الحوار الى جمعية تأسيسية "لم ينتخبها احد" أو تعيين امين عام مؤتمر الحوار الدكتور احمد عوض بن مبارك الذي اخفق بشكل مزري في ادارة الحوار "رئيسا للوزراء" لتعميم فوضى الحوار على مؤسسات الدولة ومأسسته!
ويمكن اذا لم تفلح كل الحجج السابقة في اقناع اليمنيين بالتفاؤل الركون في النهاية الى المخزون التاريخي الهائل لإقناعهم. فالتاريخ يبرهن على امتلاك اليمنيين قدرة غير عادية على التكيف مع ما يكرهون ومخاصمة ما يحبون . فقد حول اليمنيون الإستقلال الى تبعية مركبة، واسقطوا راية الإمامة ثم اثبت كل واحد منهم بانه يحتضن في وعيه وضميره إمام مكتمل الإركان. تبنوا الإشتراكية بعقول الإقطاعيين وتحولوا الى الرسمالية بعقلية اللصوص والنهابين والكمبرادور. واثبتوا من خلال تجربتهم الوحدوية انهم يملكون قدرة عجيبة على صنع الإنفصال في خضم الوحدة. وتبنوا الديمقراطية فبرهنوا للناس انه لا فرق بينها وبين الإستبداد.
ويمكن الرهان، قياسا على ما سبق، على انه في حال تبني الفدرالية فإنها ستتحول عند التطبيق الى مركزية محكمة ذلك لأن ثقافة الإستبداد والتركيز للسلطة والثروة هي اكثر عمقا وتجذرا في الوعي اليمني من اي نزعة لتفويض السلطة أو الشراكة في الثروة. وسيحدث ذات الأمر في حال تبني النظام البرلماني حيث سيتحول عند التطبيق وخلال فترة قصيرة الى نظام ديكتاتوري وسيتحول النظام الإنتخابي النسبي بفعل تجذر القروية والقبلية والسلالية في اذهان اليمنيين الى نظام فردي! وسيتكدس المشايخ والوجاهات الإجتماعية في كل سطر من قوائم الأحزاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق