د. عبد الله الفقيه
ذهب الدكتور ناصر محمد ناصر في مقال له نشرته صحيفة الوسط بتاريخ 3 سبتمبر الماضي إلى استبعاد ان يواصل النظام السير نحو إجراء انتخابات برلمانية من طرف واحد، ورجح في تحليله عودة النظام إلى ما تم الاتفاق عليه مع المشترك حول الإصلاحات الانتخابية وحول اللجنة العليا للانتخابات، وذلك لان الوضعين الداخلي والخارجي، كما قال، لا يسمحان له بالإنفراد بالعملية السياسية. والكاتب إذ يتفق مع النتيجة التي توصل إليها الدكتور ناصر فانه يسعى من خلال هذا المقال إلى تحليل الوضعين الداخلي والخارجي للنظام اليمني القائم ليبين ليس فقط استحالة إجراء انتخابات من طرف واحد ولكن أيضا المخاطر الكبيرة التي تتهدد الوحدة الوطنية ووحدة التراب الوطني في حال أصر الحاكم على المضي في طريق "اللاشرعية."
الوضع الداخلي
برغم النبرة الإعلامية الحادة للنظام اليمني في مواجهة معارضيه في الداخل والخارج الإ ان الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان هي ان النظام ومعه البلاد يمران بأسوأ المراحل ويواجهان من التحديات ما لم يواجهان في أي مرحلة من المراحل خلال قرابة 20 عاما من عمر الوحدة اليمنية. فعلى الصعيد الداخلي يواجه النظام خلال المدى القريب ثلاث تحديات سياسية خطيرة ناهيك عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
فعلى الجبهة الشمالية يواجه النظام منافسا سياسيا عنيدا لم تزده خمس جولات من الحرب سوى قوة وتمكينا. وإذا كان النظام قد توفق في اتخاذ قرار إنهاء الحرب ولو من طرف واحد وأوقف من خلال تلك الخطوة حركة الهرولة نحو القاع فان الشيء الذي لم يتوفق فيه النظام هو الطريقة التي تم بها إنهاء الحرب والتي جاءت أشبه ما تكون بإعلان الاستسلام وقبول النظام بشروط المتمردين. وقد قام الرئيس قبل أيام فقط من إنهاء الحرب وبعدها بجولة على عدد من المعسكرات وتحدث خلال زياراته لتلك المعسكرات عن ضرورة التركيز على الكيف قبل الكم في إشارة ضمنية إلى فشل الجيش في تحقيق مهمته في صعدة. وجاءت التغييرات لعدد من القادة لتزيد من التأكيد على ان ما حدث هو هزيمة عسكرية للنظام بالرغم من ان تلك التغييرات ربما صبت في اتجاه آخر.
وكان النظام موفقا كذلك في رفضه لقيام هيئة الفضيلة التي سعى لإنشائها عدد من مشايخ العلم ومشايخ القبائل وفي رفضه لفكرة تشكيل جيش شعبي لمواجهة الحوثيين لان كل من المشروعين يتناقض بشكل صارخ مع نصوص الدستور ومع الحد الأدنى من السيادة الداخلية والخارجية ويعني في حال القبول به المزيد من الإضعاف للنظام والتعطيل للدستور وتهيئة البلاد لحرب مذهبية طاحنة. لكن الشيء الذي لم يتوفق فيه النظام هو الطريقة التي تم بها رفض الفكرتين والتي بدت أشبه ما تكون بقيام النظام بحرق الجسور التي عبر عليها. ضف إلى ذلك ان الطريقة التي تم بها إنهاء الحرب، ودون ترتيبات واضحة، لا يمكن ان تفهم سوى على انها قبول بوجود تشكيلات عسكرية خارج الدستور والقانون.
وجاء انقلاب النظام على التعديلات المتفق عليها في قانون الانتخابات وقيامه بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات من طرف واحد وإصراره على العمل خارج الدستور والقانون لتصب في خدمة المتمردين والإنفصاليين وخصوم النظام بشكل عام. ومهما حاول الإعلام التقليل من الخطوة وتصويرها بأنها جزء من "الديمقراطية" الإ ان الدلالات الخطيرة لها لا تخفى على كل ذي بصيرة. فهي من جهة بدت والسياسة تتأثر كثيرا بالإدراك أكثر من تأثرها بحقيقة الواقع الذي يتم إدراكه وكأنها تصب لصالح المتمردين وتضعف خصومهم السياسيين، وتزيد من اختلال توازن القوى الاجتماعية.
والأهم من ذلك هو ان تلك التطورات ألغت عمليا الانتخابات كآلية للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها، وهو ما يعني تثبيت قاعدة ان السلطة مستمدة من فوهة البندقية وليس من صندوق الاقتراع.
وفي ظل فشل بندقية النظام في وضع نهاية للصراع في صعدة، فان إصرار النظام على الاستمرار في انتخابات من طرف واحد لن يعني سوى المزيد من الانكشاف لأمن النظام والبلاد وكلاهما يقوم على توازنات قبلية ومذهبية وسياسية دقيقة تشكل خط الدفاع الأول في مواجهة نزعات التطرف والإرهاب والقوى التي تسعى لتوظيف العنف كطريق للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها. وستتهيأ البلاد نتيجة للأوضاع القائمة—ما لم يتم تدارك الأمور بسرعة— لحرب طائفية مدمرة قد لا يتمكن احد من منع اندلاعها أو السيطرة على مجرياتها إذا اندلعت. وسيكون من الخطأ عزل الهجمات الإرهابية الأخيرة للقاعدة والتي لم تشهد البلاد مثيلا لها من قبل عن الخلل الذي اعترى التوازنات الاجتماعية والمذهبية الدقيقة وعن الدوافع الطائفية خلف الإرهاب.
وإذا كان الوضع على الجبهة الشمالية يشكل تهديدا للأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي، فان الوضع في الجنوب يشكل تهديدا متزايدا لوحدة التراب الوطني. فقيام انتخابات شكلية تفتقر إلى قوة وعدالة القواعد القانونية ودستورية الإجراءات ستقدم اكبر دعم للقوى الداعية للانفصال لأنها ستطيح بقشة الديمقراطية التي قامت على أساسها الوحدة اليمنية والتي ستظل دائما أهم الضمانات لاستمرار الوحدة اليمنية.
أما التحدي الثالث الذي يواجهه النظام فيتمثل في الانقسام في صفوفه إلى عدة تيارات يسعى كل منها إلى تعزيز مواقعه في السلطة على حساب التيارات الأخرى. وتشير الطريقة التي تم بها رفض التعديلات على قانون الانتخابات في مجلس النواب وطريقة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات إلى ان التطورات التي تمت حتى الآن تخدم تيارا واحدا في السلطة وان كان التربص بين التيارات مازال قائما وعلى أشده. وقد عبر الصراع الدائر بين أجنحة السلطة عن نفسه بعدة طرق. لكن الانتخابات القادمة، وفي ظل غياب القوى السياسية الفاعلة، ستشكل مفترق طرق للصراع الدائر بين تلك التيارات وستتحول الإنتخابات في نظر الفرقاء إلى مباراة صفرية مثلها مثل لعبة الشطرنج حيث يكسب طرف كل شيء وتخسر الأطراف الأخرى كل شيء. ولأن السياسة تختلف عن الشطرنج فان الأرجح وفي ظل الأوضاع الاجتماعية القائمة هو أن "فوهة البندقية" هي التي ستسود. لكن البندقية التي ستمتلك الشرعية إذا ما حدث أمر مثل هذا لن تكون بندقية النظام ولكن بندقية الشارع.
الوضع الخارجي
أدت حروب صعدة الخمس إلى اضطراب علاقات اليمن بالعديد من الدول وخصوصا إيران وليبيا وهو اضطراب كان يمكن—شأنه في ذلك شأن الحرب ذاتها— تجنبه. وإذا كانت الجولة الرابعة من الحرب قد توقفت نتيجة للتوصل، بواسطة ورعاية قطرية، إلى اتفاقين بين النظام اليمني والمتمردين الحوثيين، فقد خسر النظام بخوضه الجولة الخامسة من الحرب علاقاته المتميزة مع قطر بما تضمنته تلك العلاقات من دعم سياسي واقتصادي كبير.
وجاءت الطريقة التي تم بها إيقاف الجولة الخامسة من الحرب لتزيد علاقات النظام بالمملكة العربية السعودية توترا وخصوصا في ظل خطاب اعلامي معاد للسعودية وللجماعات اليمنية المحسوبة على السعودية كشيوخ بعض القبائل والسلفيين والإخوان المسلمين. لقد جاءت طريقة إيقاف الحرب بما تنطوي عليه من غموض وما تثيره من أسئلة لتعزز من المخاوف السعودية بشأن نوايا النظام اليمني تجاه السعودية. ولعل الحملة الإعلامية التي استهدفت السعودية والتسريبات لبعض التقارير بشأن المطالب اليمنية بممتلكات المغتربين التي تم مصادرتها خلال أزمة الغزو العراقي للكويت وغير ذلك من الأمور قد زادت طين العلاقات اليمنية السعودية بلة.
ولا يمكن فهم الاستهداف الذي يتعرض له حزب التجمع اليمني للإصلاح وهو حزب محافظ وذو طابع سني وكذلك القوى القبلية والسلفية بمعزل عن التوتر في العلاقات اليمنية السعودية وعن التوتر الطائفي الذي ساهمت في إيقاد جذوته حروب صعدة الخمس والسياسات غير الرشيدة. ولا يمكن في ظل سياق كهذا لإجراءات النظام بشأن الإصلاحات الانتخابية وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات من طرف واحد سوى ان تزيد من قلق النظام السعودي من وجود توجه داخل النظام اليمني يسعى لتصفية القوى القريبة سياسيا وإيديولوجيا ومذهبيا من السعودية لصالح القوى المعادية للسعودية.
ومع ان السعوديين قد يقبلون، في ظل التعقيدات الدولية القائمة، بخسارة القوى القريبة منهم سياسيا لقوتها في انتخابات حرة ونزيهة الإ إنهم لن يقبلوا بلا شك بان يتم إسقاط التوازن السياسي القائم والذي يضمن امن المملكة لصالح توازن جديد مصطنع يمكن ان يشكل خطرا على استقرار بلادهم. ويدرك النظام جيدا ان لدى السعوديين الكثير من الأوراق القوية التي يمكن لعبها ضد النظام. ولعل ابرز تلك الأوراق هي ورقة المغتربين اليمنيين في السعودية. وتثبت التجربة التاريخية ان السعوديين قد يلجئون إلى تكرار الطريقة التي تم بها التعامل مع النظام اليمني في عام 1990 إبان الغزو العراقي للكويت حيث تم إلغاء الاستثناء الذي كانت تمنحه السعودية للعمال اليمنيين من شرط وجود الكفيل السعودي وهو ما أدى إلى عودة مئات الآلاف من اليمنيين المهاجرين إلى السعودية وذلك في غضون بضعة أسابيع. وقد أدى القرار السعودي حينها إلى دخول الاقتصاد اليمني في حالة غيبوبة لم يفق منها حتى الآن. وقد شهدت الأشهر الماضية تلويحا سعوديا واضحا بلعب ورقة المغتربين. لكن النظام ربما لم يلتفت لها.
ويشكل الوضع في الجنوب ووجود الكثير من الجماعات الداعية للانفصال في دول الخليج وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية كرتا آخر يمكن للسعودية لعبه لزعزعة الأوضاع والدفع بالنظام اليمني نحو الانهيار وان كان هذا الكرت يبدو من الخطورة في تداعياته بحيث يجعل السعوديين يترددون في استخدامه خوفا من عواقبه الوخيمة ليس فقط على النظام اليمني ولكن على السعودية ذاتها.
وبالنسبة لعلاقات النظام اليمني بالولايات المتحدة الأمريكية فليست بأفضل حال من علاقاته بالدول الأخرى. من جهة، عانت علاقات الدولتين خلال السنوات القليلة الماضية من حالات مد وجزر وممانعة وموالاة. وفي الوقت الذي ظلت فيه الولايات المتحدة وعلى نحو متكرر تمارس الضغوط على النظام اليمني بشأن الحرب على الإرهاب فإنها ظلت تمني النظام اليمني وعلى نحو متكرر بالدعم السخي من خلال صندوق الألفية مشترطة العديد من الإصلاحات المرتبطة بمكافحة الفساد والشفافية وغيرها. والملاحظ ان النظام اليمني فد فشل وعلى نحو متكرر في إحراز الدرجات المطلوبة لكل معيار من المعايير التي وضعتها هيئة تحدي الألفية. ولم تسفر تفاعلات الحكومتين اليمنية والأمريكية خلال السنوات الثمان الماضية عن شعور الأمريكيين بالرضا التام عن جهود الحكومة اليمنية في مواجهة الإرهاب أو على صعيد الإصلاحات الداخلية. كما لم تسفر عن الرضا اليمني التام بان الأمريكيين قد قدموا للحكومة اليمنية الدعم التنموي الذي لطلما انتظروه.
وهناك الكثير من المؤشرات على ان قلوب الأمريكيين لم تعد مع النظام الحالي. ولعل ابرز تلك المؤشرات هي الحملة الإعلامية الدولية التي قادها الأمريكيون ضد النظام خلال النصف الأول من هذا العام والتي دشنتها صحف الواشنطن بوست والنيويورك تايمز وعدد من محطات التلفزة الأمريكية والتي لا يمكن ان تفهم سوى على أنها تمهد لإسقاط النظام. ورغم ان تلك الحملة توقفت فجأة وبالتزامن مع انتهاء الحرب في صعدة الإ انه من المستبعد ان يكون عصر الأزمات في العلاقات اليمنية الأمريكية قد ولى وان صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين قد فتحت.
قشة الديمقراطية
سيكون من الخطأ اختزال مشاكل اليمن وأزماته في شخص أو أسرة أو حزب أو قبيلة أو أقلية مسيطرة أو سلطة ومعارضة. فالتحديات أكثر شمولا وعمقا مما يتصور البعض. ومع ان الديمقراطية ليست حلا سحريا لمشاكل اليمن الإ أنها ومهما كانت ضعيفة تظل القشة التي يمكن للنظام وللبلاد التعلق بها في مواجهة أزمات تزداد عددا وتعقدا بمرور الأيام...وعلى اليمنيين جميعا في الداخل والخارج وأصدقاء اليمن والحريصين على وحدته الجغرافية والوطنية واستقراره الضغط على النظام للعودة إلى الشرعية..وعلى قادة الرأي والمفكرين والوطنيين أن يراجعوا النظام قبل فوات الأوان.. ولا ينبغي أن يخاف اليمنيون طلقات الرصاص التي توجه إلى الرؤوس. فحياة اليمني كفرد مرتبطة بشخصه لكن حياة الوطن مرتبطة بمستقبل الأبناء والأهل والأقارب والجيران والزملاء في العمل وكل الأشياء الجميلة التي يحبها الناس ويعيشون من اجلها.
الجمعة، 14 نوفمبر 2008
الجمهورية اليمنية وقشة الديمقراطية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق