الثلاثاء، 7 أبريل 2015

عاصفة الحزم تهب على اليمن: أسباب الدعم الشعبي اليمني واحتمالات التآكل


أثار بيان أصدره حزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن يؤيد تحالف "عاصمة الحزم" ردود فعل جنونية من قبل التحالف الحوثي-المؤتمري رغم أن البيان عبر عن واقع الحال. فقد حظيت وما زالت تحظى عمليات طائرات الدول المشاركة في "عاصفة الحزم" منذ بدئها في 26 مارس 2015 بدعم أغلبية اليمنيين سنة وشيعة لأسباب كثيرة ووجيهة..لكن هذا الدعم للعمليات لا ينبغي ان يفهم سواء من حزب الإصلاح أو من القوى السياسية الأخرى داخل اليمن وخارجها بأنه "شيكا" على بياض، بل هو في الحقيقة محدود في نطاقه الزمني والموضوعي ويمكن بسهولة وبفعل غياب الرؤية الواضحة لدول التحالف، تراكم الأخطاء، والاستخدام المفرط للقوة أن يتحول الى نقمة. 

ويناقش هذا التحليل العوامل المختلفة التي تقف خلف دعم اليمنيين لـ"عاصفة الحزم" ثم ينتقل بعد ذلك الى استعراض العوامل التي ستساهم في تآكل الدعم الشعبي للعمليات. وينتهي التحليل بطرح مجموعة من الأفكار المترابطة التي يمكن ان تشكل اساسا لوقف الأعمال العدائية. 

أسباب الدعم 

هناك العديد من الاعتبارات التي تقف خلف الدعم الشعبي اليمني لعمليات "عاصفة الحزم" ربما كان أهمها ما يلي: 

اولا، يعتبر اليمن جزء لا يتجزأ من أرض الجزيرة العربية واذا كان قد تم استبعاده من عضوية مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 وحتى اليوم،في خطأ استراتيجي واضح، فإن المشاكل والتحديات التي تواجه اليمن وبحكم الجغرافيا والمصير المشترك تفرض نفسها كأمر واقع على دول الخليج وفي مقدمتها السعودية سواء شاءت هذه الدول ذلك أم ابت. 

ثانيا، تعتبر اليمن منطقة حيوية بالنسبة لأمن السعودية والخليج العربي بشكل عام ويقر المجتمع الدولي، باستثناء ايران، بهذا الأمر ويحترمونه. ولا يمكن فهم الدعم الدولي منقطع النظير للعمليات السعودية ضد الحوثيين وحليفهم الرئيس اليمني السابق الا في ضوء هذا المعطى الجيواستراتيجي. 

ثالثا، ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها السعودية في اليمن بهذا الشكل. فمنذ عام 1962 وحتى عام 1970 تدخلت السعودية بقوة لدعم قوى الإمامة (شيعية المذهب) التي اتخذت من صعدة واراض السعودية قاعدة لها وكانت ايران ذاتها يومها الى جانب السعودية مقرة بأن التواجد المصري في اليمن أو أي تواجد آخر معاد للسعودية يمثل خطرا بالغا على أمن السعودية والخليج. وتكرر الأمر بعد ذلك مع نهاية عام 2009 وبداية 2010 عندما تدخلت السعودية بنفس الطريقة التي تتدخل بها اليوم لقصف الحوثيين في محافظة صعدة خلال الحرب السادسة بين نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح والحوثيين.وكان اكثر الناس تأييدا واشدهم حماسة للتدخل السعودي يومها هو رئيس اليمن السابق وكافة القيادات المدنية والعسكرية في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده صالح وكذلك شيوخ القبائل والقوى السياسية الفاعلة الأخرى على الساحة اليمنية. والأكثر من ذلك أن الحوثيين والمؤتمرين في الحروب التي خاضوها ضد خصومهم السياسيين منذ نهاية أكتوبر 2013 كانوا يتحركون بدعم سعودي وامريكي وليس ايراني فقط. 

رابعا، يعتمد اليمن بشكل شبه كلي في الجوانب الاقتصادية والعسكرية والسياسية على السعودية ودول الخليج الأخرى، وينظر اليمنيون اليوم الى علاقتهم بالسعودية ودول الخليج على انها علاقة مصير مشترك تفرضه الجغرافيا واللغة والتاريخ والدين. 

خامسا، ظلت المملكة طيلة نصف قرن بحكم مساحتها وامكاناتها وتحالفاتها مع الفئات المختلفة في المجتمع اليمني ودورها في العالمين العربي والإسلامي بمثابة المرجعية لكافة القوى السياسية اليمنية سنة وشيعة بما في ذلك تلك القوى التي اتخذت موقفا معاديا من المملكة في فترات معينة ثم ادركت بعد ذلك أن أي قوة سياسية معادية للسعودية في اليمن لا يمكن لها البقاء والاستمرار. 

سادسا، لا يشعر الكثير من اليمنيين ان سيادة بلادهم انتهكت بالضربات الجوية التي تقودها السعودية لانهم لم يشعروا منذ نفذت الطائرات الأمريكية بدون طيار في عام 2002 أولى عمليات القتل ضد يمنيين متهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة بأن بلادهم يمتلك سيادة، وتعمق هذا الشعور بظهور التمرد الحوثي وتحديه لسيادة الدولة الذي بلغ ذروته في عام 2011 عندما انسلخ المتمردون بمحافظة صعدة عن السيادة اليمنية وبدأوا التوسع في المحافظات المجاورة. كما تعمق هذا الشعور ايضا نتيجة فتح اجواء اليمن بشكل كامل أمام الطائرات الأمريكية بدون طيار خلال السنوات الماضية.ويدرك اليمنيون بأن المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية قد وضعت اليمن تحت اشراف المجتمع الدولي بما في ذلك الدول المتدخلة حاليا. 

سابعا، بينما يشعر بعض اليمنيين بالانزعاج الشديد من استهداف معسكرات الجيش ومخازن السلاح والتي تمثل مقدرات للشعب اليمني، فإن الأغلبية من اليمنيين في المقابل لا تشعر بأن اليمن يمتلك جيشا وطنيا وتنظر الى ما يجري وهي محقة في ذلك الى أنه استهداف لميليشيات صورت على سبيل التضليل بانها جيش وطني. ويتساءل الكثير من اليمنيين عبر الشبكات الاجتماعية وفي مجالس القات بمرارة: اين كان الجيش اليمني من التمرد الحوثي خلال السنوات الماضية؟ واين كان من جماعات القاعدة التي ظهرت كتهديد لليمن وجيرانه والمجتمع الدولي؟ ولماذا لم يسمع به احد عندما انسلخ الحوثيون بمحافظة صعدة عن السيادة اليمنية وبدأوا في التوسع في المحافظات المجاورة لها حتى تمكنوا من احتلال مدينة صنعاء في 21 سبتمبر 2011؟ ولماذا لم يسمع اليمنيون عن الجيش اليمني الا عندما بدأت "عاصفة الحزم" في قصف معسكراته وتدمير مخازن اسلحته؟ 

ثامنا، يدرك الكثير من اليمنيين أن المطارات التي يتم قصفها ومخازن السلاح التي تتعرض للتفجير والأسلحة التي تقصف مولت في الغالب بمعونات سعودية وخليجية وبدلا من أن تسخر لصالح اليمن واليمنيين ولخدمة أمن الجزيرة العربية والخليج حولها التحالف الحوثي-المؤتمري الى جسور لبناء علاقات مع ايران وبالتالي الى عامل تهديد لأمن اليمن وجيرانه. 

تاسعا، يتفهم اليمنيون تماما المخاوف السعودية والخليجية مما يحدث في اليمن ويشعرون أن التحالف الحوثي المؤتمري لم يقم باي خطوة جدية ومخلصة لتطمين السعودية ودول الخليج الأخرى، بل أنه وعلى العكس من ذلك حاول فرض نفسه بقوة السلاح على الشعب اليمني، وعلى جيران اليمن. وأظهر التحالف، الذي يغلب عليه الطابع الطائفي في بلد لم يعرف الطائفية السياسية كأيديولوجية للفرز، وعلى نحو متكرر عدائه لجيران اليمن واستعداده التام للدخول في مقامرات غير محسوبة العواقب. ولم تقتصر استفزازات التحالف تجاه السعودية على اسقاط اليمن ومقدراته بيد ايران، بل أن الصلف والغرور بلغ به حدا اختار معه أن ينفذ انقلابه على الشرعية في اليمن ممثلة بالرئيس هادي في نفس اليوم الذي تولى فيه الملك سلمان بن عبدالعزيز ال سعود العرش في المملكة اثر وفاة اخيه الملك عبدالله. ولم تتوقف استفزازات هذا التحالف المغامر عند هذا الحد، بل انه حشد قواته الى حدود السعودية لإجراء مناورات عسكرية هناك في استفزاز وتهديد واضح للسعودية. 

عاشرا، يشعر اليمنيون بان المتمردين الحوثيين ورئيس اليمن السابق وفي اطار بحثهم عن أي قوة تدعمهم في مسعاهم للاستيلاء على السلطة والانقلاب على الشرعية قد تحولوا الى أدوات في المشروع الإيراني المعادي لليمن ودول الخليج وأنهم على استعداد تام لارتكاب افظع الانتهاكات بحق من يختلفون معهم بما في ذلك تفجير المساجد ودور القرآن والجامعات مبررين افعالهم تارة باتهام شركائهم في الوطن بالانتماء الى جماعات القاعدة الإرهابية، وتارة أخرى بأنهم "دواعش." وهناك شعور عميق لدى الكثير من اليمنيين بأنه لا يمكن الثقة بالحوثيين وذلك جراء ما اظهروه من نكث للوعود والعهود وغدر بالشركاء ونزعة الى اذلال الناس وانتهاك الحقوق وتجريد الطائفية كسلاح دونما اعتبار لحقوق المواطنة والتعايش! 

حادي عشر، ينظر الكثير من اليمنيين الى عمليات "عاصفة الحزم" على أنها تهدف الى، استعادة الدولة اليمنية من مختطفيها ومنع اليمن من الانهياروالانزلاق الى الحرب الأهلية الطائفية، والى الحفاظ على وحدة اليمن، ومنع فئة اجتماعية صغيرة عميلة لإيران من التغول على الشعب بقوة السلاح والتحول الى عامل تهديد لإستقرار اليمن ودول الخليج العربي. كما ينظر اليمنيون الى عملية التدخل على انها خطوة هامة لإعادة التوازن في المنطقة وكبح جماح الصلف والغرور الإيراني والذي يكشف عن طبيعته القذرة من خلال دعمه للنظام الطائفي الفاشي لال الأسد في سوريا. 

عوامل التآكل

لا ينبغي ان ينظر الى اصطفاف اليمنيين خلف السعودية على أنه اصطفاف ضد إخوانهم الشيعة الذين تعايشوا معهم لقرون عديدة، أو أنه اصطفاف ضد أنفسهم ومصالحهم، أو انه تفويض مفتوح وبلا حدود لقوى التحالف باستخدام القوة المفرطة أو بتدمير البنية التحتية للبلاد وقتل المدنيين. واذا كان اليمنيون يدعمون علميات "عاصفة الحزم"لأسباب كثيرة ، فإن هذا الدعم يمكن ان يتعرض الى التآكل بسرعة كبيرة بفعل العديد من العوامل، وأهمها: 

أولا، تشكل العاصمة اليمنية صنعاء ومدن تعز وعدن أكبر مراكز للتجمعات السكانية داخل البلاد ، وقد أدت العمليات الجوية الى التأثير سلبا على الحياة اليومية للناس في هذه المدن بحيث تعطلت اعمالهم وانشطتهم اليومية وتم اغلاق المدارس والجامعات واضطر الكثير منهم الى النزوح عن مساكنهم بينما يعيش آخرون في حالة رعب مستمر من أن يقعوا ضحايا للضربات أو أن يموتوا جوعا بعد اختفاء المواد الغذائية والمشتقات النفطية، وما يعنيه هذا أن الغالبية العظمى من اليمنيين لن يدعموا العمليات الجوية الى ما لا نهاية وأن هذا الدعم سيتحول، في ظل غياب الاهتمام بمعاناة اليمنيين، بسرعة الى نقمة وكراهية وفقدان للثقة. 

ثانيا، مع أن الضربات الجوية تكون دائما مصحوبة بتكلفة بشرية من بين الأبرياء، الا أن تراكم الأخطاء واللامبالاة بحياة المدنيين التي يحملها بعض تلك الأخطاء والاستخدام المفرط للقوة يمكن ان تحول اتجاهات الناس بسرعة وبزاوية 180 درجة. فليس مقبولا ولا معقولا أن يتم قصف معسكر للاجئين لإن طقما يحمل مضادا بدائيا للطائرات لا يقدم ولا يؤخر اختبأ داخله، ويفترض بالقائمين على مثل هذه العمليات أن يظهروا درجة عالية من الاهتمام بالمدنيين واستعدادا للتضحية في سبيل ذلك. فمن الغبن لليمنيين أن يدفعوا وحدهم حياتهم ثمن المحافظة على أمن السعودية والخليج. 


ثالثا، يتفهم اليمنيون دوافع "عاصفة الحزم" في استهداف المطارات وفرض حالة حصار على اليمنيين لكنهم لا يتفهمون كيف أن الدول المشاركة في العمليات لم تظهر اي اهتمام بوضع اليمنيين الذين وجدوا انفسهم عالقين في الكثير من مدن العالم في ظروف لا يعلم سوى الله تفاصيلها وغير قادرين على العودة الى بلادهم. 

رابعا، يتوقع اليمنيون أن الهدف من الضربات التي توجه ضد الأهداف العسكرية للتحالف الحوثي-المؤتمري هو تجنيب بلادهم الحرب الأهلية والتدخل الخارجي والتجزئة وليس الدفع بالبلاد نحو حرب أهلية بين السنة والشيعة أو بين الشمال والجنوب أو بين قبيلة وقبيلة. لكن التغطية الإعلامية لبعض الوسائل الإعلامية ذات الطابع القومي تتعاطى مع الأحداث بطريقة توحي أن المسالة هي مسالة حرب طائفية بين السنة والشيعة أما داخل اليمن أو على مستوى العالم العربي، وهذا بالطبع بعيد كل البعد عن الواقع. صحيح أن ايران تحاول جاهدة استغلال الحوثيين والرئيس السابق، بحكم انتمائهم الى الزيدية (وهي فرقة من فرق الشيعة)، كورقة في سعيها للهيمنة على العالمين العربي والإسلامي، الا أن الصحيح ايضا أن ايران يمكن ان تستخدم اي ورقة متاحة في هذا الصراع سواء أكانت سنية أو شيعية. 

خامسا، يؤيد اليمنيون بقوة الرئيس عبدربه منصور هادي كرمز للشرعية ويرفضون الانقلاب الحوثي-المؤتمري عليه جملة وتفصيلا، الا أن الرئيس هادي وأركان نظامه كأشخاص لا يحظون باي تأييد شعبي في أوساط اليمنيين الذين ينظرون اليهم بشكل عام على أنهم جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل، وأي مبالغة في التمسك بالرئيس هادي ومستشاريه قد تكون مكلفة لدول التحالف ومعقدة لبناء السلام في اليمن. ويمكن قول ذات الشيء حول المشاريع السياسية للرئيس هادي ومستشاريه والتي شكلت أهم مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. فتلك المشاريع لا تحظى باي دعم في اوساط اليمنيين وينظرون اليها على أنها بعيدة كل البعد عن المشاكل التي يعانون منها. 

سادسا، يدرك اليمنيون أن نجاح هذه الضربات وعدم تحولها الى عامل تهديد لليمن والخليج سيرتبط ارتباطا وثيقا ليس فقط بتماسك الجبهة الداخلية للدولة القائدة للتحالف ولكن ايضا بوحدة وتماسك التحالف ذاته واتفاقه على اهداف محددة. ومن الواضح لأي مراقب أن هناك إشكاليات في كل هذا الجوانب، وأن الشعب اليمني يشعر بأنه  يمكن ان يتحول بسهولة الى ضحية. 

ما يمكن عمله 

عندما تقوم الحرب تكون السياسة كنشاط سلمي قد فشلت، لكن ذلك الفشل لا يمنع من استمرار السياسة كرديف للحرب، وفي الحالة اليمنية لا يحتاج الحل السلمي الى معجزة وإن كان يتطلب من التحالف الحوثي-المؤتمري زحزحة واضحة في المواقف المتشددة والعدمية. وتمثل الأفكار التالية احد النماذج المعقولة للوصول الى حل سلمي: 

أولا، يعلن الحوثيون قبولهم بعودة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل 21 سبتمبر 2014 ويوقفون عملياتهم العسكرية في كافة المناطق. 

ثانيا، تعلن كافة القوى المسلحة ميليشات كانت أو نظامية ايقاف كافة عملياتها المسلحة. 

ثالثا، تعلن كافة القوى السياسية اليمنية قبولها الدخول في حوار وطني برعاية مجلس التعاون الخليجي وبحضور سفراء الدول العشر المشرفة على تنفيذ المبادرة الخليجية مضافا اليها ايران. 

رابعا، توقف دول "عاصفة الحزم" كافة عملياتها العسكرية. 

خامسا، تناقش القوى السياسية في حوارها كافة الموضوعات المتعلقة بترتيب أوضاع السلطة وبسط نفوذ الدولة وحل مشاكل اليمن. 

سادسا، تحدد الأطراف المتحاورة مدى الحاجة الى دور الأمم المتحدة مستقبلا على ان يتم استبدال كافة ممثلي المنظمة السابقين بما في ذلك مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة المثير للجدل جمال بن عمر.