الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

حروب بناء الدولة اليمنية

لا ينبغي ان يساور اليمنيين اي شك في ان الحروب التي يخوضها الأبطال من افراد القوات المسلحة وقوات الأمن ضد عناصر الفوضى والتخريب  في محافظة مأرب، ومثلها مثل الحروب التي خاضتها القوات اليمنية طوال العام في محافظات ابين وشبوة وغيرها من المحافظات اليمنية ضد جماعات "انصار الشيطان"، هي في جوهرها حروب بسط نفوذ الدولة التي تأجلت كثيرا في بعض المناطق وجبن نظام صالح الذي ظل دائما يفتقر الى الشرعية القوية عن خوضها لعقود. 

وما تسعى القوات المسلحة اليمنية لتحقيقه اليوم في محافظة مأرب وما ستسعى لتحقيقه غدا في محافظات أخرى ليس القاء القبض أو القضاء على جماعات تخريبية  أو إرهابية بل هو في جوهره تحرير للتراب الوطني  من الجماعات الخارجة على القانون التي تتحدى الدولة وتنافسها في السيادة الداخلية على اراضيها وتحرمها بالتالي من بناء سيادتها الخارجية  وإقامة علاقات مستقرة مع جيرانها واصدقائها. 

ومع ان الحرب اي حرب كانت لا يمكن تبريرها اخلاقيا وخصوصا عندما تقود الى سقوط ضحايا ابرياء، الإ انه اذا كان هناك حرب مشروعة فانها  بالتأكيد تلك الحرب التي تخوضها الدولة من اجل الدفاع عن النفس وبسط النفوذ وحماية مواطنيها ومصالحهم الحيوية وفي مقدمتها حقهم في الأمن والإستقرار والحياة الكريمة..

ومن المؤسف أن القوات المسلحة وقوات الأمن، وهي المؤسسات الوطنية التي تم اختطافها لوقت طويل وتغييبها عن اداء وظائفها،  تجد نفسها اليوم مضطرة وخلال فترة قصيرة لتقديم قوافل من الشهداء في سبيل بناء الدولة اليمنية ذات السيادة. ولا يمكن لأي يمني وهو يتابع التضحيات الجسيمة التي يقدمها افراد القوات المسلحة والأمن في سبيل بناء الدولة سوى أن يشعر بالإعتزاز والفخر بهذه المؤسسات الوطنية الرائدة من جهة وبالحزن العميق على الذين يسقطون في طريق النضال من اجل الحرية والكرامة من جهة اخرى.

الجمعة، 21 ديسمبر 2012

احتفاء بالرحيل!


يعد دفعة هذا العام من طلاب قسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء العدة للإحتفال بتخرجهم، ويدعوننا كالعادة لمشاركتهم فرحتهم بما حققوه من انجاز وما اجتازوه من مراحل وما يتطلعون لتحقيقه في المستقبل، وليس هناك وظيفة في العالم يمكن ان تكون اكثر امتاعا وتشويقا من العمل مع الشباب ومشاركتهم احتفالاتهم. 

لكن سعادتنا هذا العام بتخرج دفعة جديدة من ابنائنا وبناتنا واخواننا واخواتنا الطلاب يشوبها مرارة عميقة. فقلوبنا مكلومة بفقد زميلنا في قسم العلوم السياسية الأستاذ الدكتور حكيم عبد الوهاب السماوي الذي لم نكتشف عمق نضاله ومرارة كفاحه الطويل سوى بعد رحيله المفاجىء لنا جميعا. 

كان السماوي دائما حاضرا في قسم العلوم السياسية وكلية التجارة ولم يكن يحب شيئا مثل المسارعة لمساعدة زميل  أو طالب ويخاطب الجميع بـ"يا اعز الناس" وكنا دائما نعتقد انه سيأتي اليوم الذي يتم فيه انصاف الجميع بما في ذلك السماوي ولم يخطر على بالنا بانه سيترجل عن فرسه قبل تحقيق العدالة المنشودة..

 نؤمن بأن الموت حق علينا جميعا وما يحزننا هو ما عاناه البروفسور السماوي في حياته جراء نظام سياسي يتصدر فيه الأميون واصحاب العقول المجوفة والعنصريون ولاعقو الأحذية الصفوف الأولى بينما يتم تهميش القدرات والكفاءات الوطنية واغراقها في دائرة ملاحقة القوت اليومي. 

كان السماوي بحق أول ثائر في اليمن حين خلع جزمته قبل بضع سنوات وقذف بها صورة على مدخل كلية التجارة في جامعة صنعاء لعلي عبد الله صالح الأمي الذي اصبح في غفلة من التاريخ رئيسا فادار اليمن بعقلية لص. لكن ثورة السماوي لم تدخل التاريخ لإن التاريخ في بلد يحكمه الجهل يكتبه الئم الناس واجبنهم !! 

لقد رحل السماوي وتحول فجأة بالنسبة لنا جميعا الى "أعز الناس." وعزاؤنا جميعا في رحيله هو انه سيبقى حيا فيما انتجه من علم ومعرفة وفي عزة نفسه وعصاميته وسيتذكر طلابه ذات يوم الزجاج المتطاير من صورة  اللص الذي اصبح زعيما .. 

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

من توازن التآمرات الى توازن المواطنة المتساوية

تعتبر القرارات التي اتخذها الرئيس عبد ربه منصور هادي  يوم 19 ديسمبر 2012  فيما يخص اعادة توحيد وهيكلة الجيش اليمني تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وصحيح ان هذه القرارات غير كافية بحد ذاتها لتجنيب اليمن الوقوع في فخاخ المتآمرين في الداخل والخارج وستحتاج الى قرارات أخرى تلحقها، الا ان هذه القرارات تضع اليمن دون شك على الطريق الصحيح. 

ولعل أهم ما حققته هذه القرارات التي ما زالت في الطور النظري هو اسقاطها لنظرية التوازن  التي كان البعض يروج لها في محاولة خبيثة لإبقاء الجيش اليمني خارج دائرة الفعل الوطني الخلاق وتعميق عداء الناس له، ومحاصرته بوصمة الولاء لأشخاص وأسر وقبائل على حساب الولاء للوطن.

كان التوازن الذي تطالب به تلك القوى الظلامية هو "توازن التآمر" الذي لا يستفيد منه سوى  القوى المتمردة على الدولة اليمنية والجماعات الإرهابية وقوى التآمر الدولي  التي تدفع باليمن نحو الصوملة ظنا منها ان ضرب شرعية الجيش اليمني واستهدافه بالعمليات الإرهابية كفيل بتمكينها من اعادة صياغة اليمن بالطريقة التي تخدم اهدافها ومشاريعها الإنانية والتخريبية.

لقد اسقطت قرارات الرئيس هادي "توازنات التآمر" ووضعت اليمن على طريق توازن المواطنة المتساوية والدولة المدنية، توازن الحقوق والواجبات، وتوازن النظام الديمقراطي، وبما يمكن  الإنسان اليمني من اعادة صياغة واقعه البائس وحياته التعيسة والتحول بالتالي الى قوة ايجابية تدعم الأمن والسلم في هذا الجزء الهام من العالم.  

لكن الطريق طويل بالطبع والمهم  الان ان يعمل الرئيس هادي ومعه كل المخلصين على وضع هذه القرارات موضع التنفيذ وعدم اعطاء الفرصة لقوى التآمر والتخريب والإرهاب بالإلتفاف عليها وتفريغها من مضمونها الوطني.  

وسيحتاج اليمن بالتأكيد خلال هذه العملية النضالية الشاقة الى دعم قوي من جيرانه واصدقائه ماديا ومعنويا حتى يتمكن من تجاوز ظروفه الصعبة والحساسة واتمام عملية الإنتقال السلمي للسلطة. 
 
 

الخميس، 6 ديسمبر 2012

في الطريق الى فهم الديمقراطية

اين أصاب مرسي واين أخطأ؟


يعيش العالم العربي من الماء الى الماء انقساما حول مايحدث في مصر بين معسكرين: الأول يضم اعضاء حركات الإخوان المسلمين والذين يدافع الكثير منهم عن الرئيس محمد مرسي بالحق وبالباطل ودون تمحيص ما يحدث من منظور الديمقراطية والمصلحة الوطنية. اما المعسكر الآخر فيضم خليطا من القوى بعضها اسلامي ليبرالي والبعض الآخر من بقايا النظام القديم والبعض الثالث علماني. وهذا المعسكر على عكس المعسكر الأول ينتقد بعض المنتمين اليه الرئيس محمد مرسي  بالحق بينما ينتقد آخرون الرئيس مرسي بالحق وبالباطل.

وسيحاول الكاتب هنا اعطاء رؤية يرجو ان تكون موضوعية يحدد فيها اين اصاب  الرئيس مرسي  وأين اخطأ. 

أولا، لفهم ما يجري في مصر لا بد من تذكر ان مصر تمر بمرحلة انتقالية تشهد فيها بناء المؤسسات  السياسية للنظام الجديد ومرحلة مثل هذه تتطلب قيادة استثنائية لبناء الإجماع الوطني وضمان المشاركة الواسعة في بناء تلك المؤسسات وفي مقدمتها الدستور. 

ثانيا، افرزت نتائج الإنتخابات الرئاسية التي صعد بموجبها مرسي الى الموقع الأولى انقساما اجتماعيا بدا واضحا من خلال الفارق الضئيل بين مرشح قوى الثورة (الرئيس محمد مرسي) ومرشح الفلول (احمد شفيق).  وكانت هذه النتيجة تقتضي ان يحكم مرسي بطريقة معينة يعمل من خلالها على تضييق هذا الإنقسام في مرحلة تتطلب الإجماع حول بناء المؤسسات السياسية.

ثالثا، ينتخب الناس الرئيس في النظام الديمقراطي لممارسة مهاما محددة قد يتسع نطاقها او يضيق نتيجة عوامل كثيرة لكن سلطة الفرد في النظام الديمقراطي هي دائما محدودة وليست مطلقة.

رابعا، عمل مرسي بنجاح على استيعاب عناصر من مختلف القوى السياسية في مواقع الدولة المختلفة بما في ذلك تعيين عدد منهم كمستشارين للرئيس وذلك لإن مرسي لم يفز فقط باصوات الإسلاميين من اعضاء حزبه ولكن ايضا بدعم من قوى الثورة الأخرى، وايضا لإن المرحلة بطبيعتها تتطلب ردم الفجوة بين الإخوان وغيرهم من القوى الإجتماعية والسياسية.  

خامسا، حاول قادة الجيش المصري استغلال الفراغ الدستوري والمؤسسي فعملوا على مصادرة سلطات الرئيس المنتخب خلال الفترة الإنتقالية عن طريق الإعلان الدستوري الذي اصدروه قبل تولي مرسي  ورفضه الكثيرون في مصر وخارجها. وقد نجح مرسي ايما نجاح في الإطاحة ليس فقط بذلك الإعلان الدستوري ولكن ايضا بقادة الجيش الذين كانوا يضعون انفسهم فوق الرئيس. وتقبل الكثيرون نجاح مرسي في الإطاحة بالعسكر بارتياح كبير. 

سادسا، بدا واضحا ان بعض عناصر القضاء المصري تمثل مشكلة بالنسبة لمرسي  ولمصر. وتفاقمت المشكلة عندما بدأ  القضاء في التدخل في  عمل اللجنة التأسيسة لصياغة الدستور وفي قضايا اخرى بطريقة  أكدت ان عناصر النظام القديم داخل القضاء تعمل على اعاقة العملية الإنتقالية..

سابعا، جاء الإعلان الدستوري الذي اصدره مرسي ليمثل خطأء سياسيا كبيرا وجوهريا من عدة جوانب. فمن جهة،  فإن مرسي اصدر الإعلان دون ان يأخذ رأي مستشاريه او حتى يستطلع اراء القوى السياسية  الأخرى وهو ما يؤشر الى ان مرسي   كاي دكتاتور عربي يعين المستشارين ولكنه لا يستشيرهم. من جهة ثانية، كان الإعلان  مقبولا ومبررا فيما يتعلق بالإطاحة بالنائب العام و تحصين اللجنة التأسيسيية ومجلس الشورى ضد الحل القضائي، الإ ان القشة التي قصمت ظهر البعير تمثلت في التحصين الشامل لقرارات الرئيس من اي مراجعة قضائية. لقد اعطى الرئيس مرسي لنفسه سلطة يمكنه معها نظريا اصدار الأوامر باعتقال وحتى قتل الناس دون ان يكون للضحايا او اقاربهم او المجتمع بشكل عام حق الطعن في تلك القرارات أمام القضاء. واجمالا، فقد جاء الإعلان الدستوري في بعض مضامينه وفي طريقة اصداره ليس فقط مجافيا لأليات النظام الديمقراطي ولكن ايضا متجاوزا  لنطاق التفويض الشعبي المفترض لرئيس الدولة في النظام الديمقراطي

ثامنا، كان رد الفعل الداخلي والخارجي قويا ومفاجئا لمرسي لكنه لم ينجح في فهم معانيه ولم يوفق في اتخاذ الخطوات المطلوبة لنزع فتيل الأزمة قبل انفجارها وخروجها عن السيطرة كأن يعلن مثلا ومن طرف واحد  الغاء المادة السادسة من الإعلان. وفي مواجهة الحشود الضخمة لمعارضي الإعلان واستقالات المستشارين سارع مرسي ومن خلفه الإخوان الى اخراج حشود اكثر عددا وهو الأمر الذي يضر بالوحدة الوطنية ويعمق الإنقسام ويدفع البلاد نحو العنف.


تاسعا، لجأ مرسي والإخوان الى تبريرات تفقتر الى التماسك والسلامة المنطقية وتعكس استهتارا بالالية الديمقراطية والتفويض الشعبي الذي حصل عليه من الناخبين كالقول مثلا بان الإعلان الدستوري جاء كضربة استباقية لإنقلاب كان يتم الإعداد له عن طريق اصدار حكم قضائي بعزل الرئيس، ولو كان هناك مؤامرة بالفعل لكان من الأفضل للرئيس مرسي انتظارحدوثها ثم مواجهتها باعلان دستوري وعندها لن يلومه احد. 

عاشرا، لم يستوعب الرئيس مرسي ولا الإخوان ان اساس الشرعية في النظام الديمقراطي هو استمرار قبول الناس بالحاكم وليس الطريقة التي صعد بها أو الفترة المحددة لبقائه في السلطة. لقد جاء الخروج الكبير لمعارضي مرسي اذا ما أخذ جنبا على جنب مع نتائج الإنتخابات ليضع سؤالا حول شرعية مرسي ومدى قبول الناس به بعد الإعلان الدستوري. ومع ان الإخوان في خطابهم يركزون على ان نتائج الإنتخابات متقاربة وتعكس انقساما اجتماعيا حتى في الولايات المتحدة الإ ان ما يغفلونه او ربما لا يفهمونه هو ان الأمريكيين اختاروا اوباما بتفويض محدد لا يمكن له ان يتجاوزه. كما يغفلون ايضا حقيقة ان الأمريكيين لم يخرجوا في تظاهرات ضد اوباما كما فعل المصريون ، ولعل الإخوان في مصر لا يدركون ان خروج الأمريكيين ضد اوباما بالحجم والطريقة التي خرج بها المصريون ضد مرسي سيؤدي في حالة اوباما الى استقالة سريعة للرئيس.

حادي عشر، بينما تستمر ازمة الإعلان الدستوري سارع مرسي ومن طرف واحد ودون حوار أو مشاورات الى تحديد يوم الإستفتاء على الدستور الجديد. وكان امام مرسي فرصة لإن يجعل الإستفتاء على الدستور من جهة وعلى رئاسته من جهة ثانية. لكن مرسي لم يفعل.   

    
   

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

تحالف الحراك والقاعدة..كيف يمكن فهمه؟

افترض المحللون، ومنهم كاتب هذه السطور، خلال السنوات الماضية  اعتمادا على فرضية ليبرالية الجنوب (بفعل تأثير الإستعمار البريطاني) وتقدميته (تأثير النظام الإشتراكي الذي حكم جنوب اليمن لقرابة 20 عاما)  أن قيام تحالف بين عناصر الحراك من جهة والقاعدة من جهة أخرى أمر بعيد الإحتمال نظرا لإنتماء عناصر الحراك الى اليسار بينما تقع القاعدة في اقصى اليمين.

لكن التطورات تعكس بشكل متزايد: 

أ. وجود تحالف بين عناصر الحراك وجماعات القاعدة؛ 

ب.  ان الحراك بشكل عام يتجه بشكل متزايد نحو اليمين في مؤشر على ان اي دولة تقوم في جنوب اليمن كنتيجة لجهود الحراك لن تكون سوى دولة تسيطر عليها جماعات دينية متشددة.  

ومن وجهة نظر كاتب هذا التحليل، فإن هناك العديد من العوامل التي تفسر مايحدث بعضها يرتبط باحداث العقدين الماضيين والبعض الآخر يرتبط بتاريخ الجنوب.

أولا، ان تأثير الإستعمار البريطاني  (1839-1967) على جنوب اليمن كان في الواقع محدودا من حيث نطاقه الجغرافي، وعمقه الإجتماعي. فعلى مستوى الجغرافيا فقد ركز البريطانيون وجودهم في عدن، وعلى عكس  السياسات التي تبناها الإستعمار الفرنسي في شمال افريقيا ومحاولته "فرنسة" المجتمعات فان الإستعمار البريطاني كان يركز على  تحقيق مصالحه ولا يوجد ما يؤكد على انه كان لديه سياسة لإحداث تغيير ثقافي في المجتمعات التي استعمرها. ولذلك فأن التأثير الثقافي للبريطانيين لم يقتصر فقط على عدن لكنه وداخل عدن ذاتها اقتصر على بعض الأسر وهو ما يعني ان المجتمع الجنوبي ورغم انفتاحه على العالم مقارنة بمجتمع الشمال ظل شديد التقليدية.

 ثانيا، لم  يختلف حكم الإشتراكيين لجنوب اليمن  من حيث سطحيته ومحدوديته عن الحكم البريطاني. فقد اقتصر تأثير النظام الإشتراكي بشكل اساسي على مدينة عدن وداخل عدن ذاتها على كوادر الحزب. 

ثالثا، لم يحظ الحكم الإشتراكي لجنوب اليمن والذي لم يدم سوى قرابة 20 عاما باي تأييد شعبي حقيقي شأنه في ذلك شأن الكثير من الأنظمة اليسارية التي ظهرت خلال فترة الحرب الباردة،  ولم يتمكن الحزب الإشتراكي حينها من تحقيق اي تغلغل داخل المجتمع وهو ما جعل النخبة الحاكمة في الجنوب كما يذهب الى ذلك الكثير من الباحثين منفصلة عن المجتمع. وقد بدا ذلك الإنفصال واضحا خلال حرب عام 1986 وكذلك خلال حرب عام 1994وهو ما يفسر الحسم السريع للحربين.

رابعا، واجه نظام علي عبد الله صالح المتخلف نفس ما واجهته الأنظمة السابقة من حيث عدم قدرته على التغلغل وردم الفجوة بين النخبة التي تمارس السلطة وبين المجتمع. 

خامسا، صحيح ان نظام علي صالح سعى  لدعم الجماعات المتشددة  والقوى القبلية والسلاطينية التي كان قد تم اضعافها بالعنف وليس بالتنمية، الإ انه سيكون من الخطأ عزل ما يحدث في الجنوب عن اوضاح المجتمع الجنوبي ذاته وتجاربه وصراعاته. فما كانت تلك القوى المتشددة والتقليدية التي دعمها صالح ستنمو وتنتشر  لو لم يكن هناك استعداد ذاتي  لدى الجنوبيين انفسهم للتعايش والتحالف مع تلك الجماعات. وما كان للعصبية القبلية ان تحيا من جديد لو لم تلامس لدى المجتمع الجنوبي قبولا وترحيبا.  لقد بدا واضحا بعد قيام الوحدة مباشرة ان معظم النساء الجنوبيات اللاتي كنا يسرن دون نقاب حتى داخل مدينة عدن قد بدأنا في تغطية وجوههن مثلهن مثل نساء الشمال ليس لإن هناك من كان يرغمهن على ذلك ولكن ربما كردة فعل اجتماعية على  السياسات الإشتراكية.

سادسا، رغم ان الحراك  بدأته كوادر الحزب الإشتراكي التي تم اخراجها من السلطة  عقب حرب عام 1994 الإ ان الملاحظ ان تلك الكوادر ذات التوجهات اليسارية قد تراجع دورها بشكل كبير في اوساط الجنوبيين مما افسح المجال للجماعات اليمينية المتشددة بمختلف انواعها للظهور والتكاثر والإنتشار. 

سابعا، تمثلت تركة النظام الإشتراكي الذي حكم الجنوب في مرحلة ما قبل قيام الوحدة في مواطن لا يرى في نفسه سوى تابع للحزب..فالحزب هو الذي يملك كل شيىء وهو الذي يفكر ويخطط وينتج ويوزع ويتخذ كل القرارات. وكان من الطبيعي في مرحلة ما بعد خروج الحزب من السلطة ونهب الأراضي والممتلكات ان يحدث فراغا لم يتمكن نظام صالح ذو الطبيعة "اللصوصية" والذي غلبت عليه "السطحية" من ملئه. وكانت الجماعات الدينية وفي مقدمتها الإخوان المسلمين هي الأقدر على شغله  والتغلغل في المجتمع. ثم جاءت الجماعات السلفية ومنها السلفية الجهادية لتحقق تغلغلا اكبر داخل المجتمع وخصوصا بعد ظهور الحراك وبحيث تبدو الجماعات الأكثر تشددا في الجنوب هي الأكثر حظا في السيطرة على  السلطة هناك اذا ما اتيح لها ذلك بطريقة أو باخرى.

ثامنا، بالنسبة لما تبقى من عناصر اليسار فإنه لا يتوقع لها ان   تلعب اي دور في  مستقبل الجنوب اذا ما تم اعادة تجزئة اليمن  ذلك لإن التجزئة ذاتها ستكون بمثابة آخر فشل يتحقق لتلك العناصر التي ينظر اليها الجنوبيون منذ وقت طويل بازدراء شديد ويحملونها مسئولية كل كارثة لحقت بالجنوب وهم محقون في ذلك.            

السبت، 1 ديسمبر 2012

اخطاء الحراك التي اضرت بالقضية الجنوبية


يمكن اعتبار عام 2012 أسوأ الأعوام بالنسبة للحراك الجنوبي في اليمن لأسباب كثيرة بعضها لا علاقة للحراك الجنوبي به مثل اختيار الجنوبي عبد ربه منصور هادي رئيسا لليمن في فبراير من نفس العام في خطوة خلطت على الحراك اوراقه تماما، والبعض الآخر ناتج عن سوء تقدير وحسابات خاطئة وتخبط وصراع على السلطة بين فصائل  الحراك ومتاجرة صريحة وواضحة بالقضية الجنوبية..

ويتم التركيز هنا على بعض الأخطاء القاتلة التي ارتكبها الحراكيون والتي اضرت كثيرا بشرعية القضية الجنوبية وجعلتها بلا مستقبل، وهي: ارتماء الحراك في احضان ايران؛ التحالف مع الحوثيين في الشمال؛ التحالف مع المخلوع واسرته؛  مد الأيدي الى القاعدة؛ والصراع بين فصائل الحراك..

1. الإرتماء في احضان ايران 


بدأ الحراك الجنوبي  في عام 2007 بجهود ذاتية الى حد كبيروبدعم محدود وغير مباشر من اطراف داخل النظام المهترىء لعلي عبد الله صالح الذي كانت اجنحته العسكرية والقبلية تخوض صراعا كبيرا على السلطة. وتطور الحراك بعد ذلك بفضل الدعم الذي يتلقاه من هذا الطرف او ذاك داخل اليمن او خارجه ومن يمنيين او غير يمنيين الى حركة انفصالية. 

وما يميز عام 2012 هو الظهور الواضح لتحالف فصيل هام من فصائل الحراك يقوده نائب الرئيس السابق للجمهورية اليمنية علي سالم البيض (من سادة حضرموت) مع ايران. ويمثل الدعم الإيراني لهذا الفصيل المطالب بالإنفصال بشدة اضعافا كبيرا لشرعية الحراك وبالتالي لشرعية القضية الجنوبية وهو ربما ما يفسر الطريقة التي تعاملت بها الأطراف الإقليمية والدولية وما زالت تتعامل بها مع القضية الجنوبية في اطار المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية

فالدعم الإيراني لحراك السيد البيض انما يهدف كما يعرف الجميع الى خلق كيان جنوبي عميل لإيران يمكنها توظيفه في زعزعة الإستقرار في الجزيرة والخليج ولا يعرف حتى الان ما اذا كان للسوفييت أو اي طرف آخر دورا يمر عبر ايران  أم ان الإيرانيين فقط يعملون لصالح انفسهم..

وما يزيد من المخاوف هو ان لليمن بشطريه تراث من التبعية. فقد استقل الجنوب عن بريطانيا ليسلم زمامه للإتحاد السوفييتي. ولما انهار الإتحاد السوفييتي اتحد مع الشمال ولا يمكن تخيل قيام دولة جنوبية جديدة او دويلات دون وجود دولة راعية  
  

2. التحالف مع الحوثيين


تحالف  الحزب الإشتراكي اليمني  الذي كان يقوده عند قيام الوحدة اليمنية في عام 1990  سادة حضرموت  وابرزهم علي سالم البيض نائب رئيس الجمهورية اليمنية امين عام الحزب الإشتراكي، وحيدر العطاس رئيس الحكومة الإئتلافية، مع بعض بيوت السادة في الشمال ومن ضمنها بيت الحوثي التي ستقود بعد لك تمردا ضد نظام علي عبد الله صالح بدأ عام 2004 وما زال قائما حتى اليوم  رغم الحروب الست التي خاضها معه نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

ويسعى السادة الحوثيون الذين يعتنقون المذهب الزيدي ويؤمنون بان حق الولاية في البطنين، اي في احفاد الحسن والحسين ابناء الإمام علي عليه السلام، الى اعادة  النظام الإمامي العنصري الذي ساد اليمن مع وجود بعض التقطع لقرابة الف عام. كما يسعون الى استخدام اليمن كقاعدة للتوسع شمالا وصولا الى استعادة سيطرتهم على الأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية والتي خسرها اشراف مكة لصالح الملك عبد العزيز ابن سعود  مطلع القرن الماضي.

ويقوم دعم الحوثيين، كمنفذ لسياسة ايران وحامي لمصالحها،  لليمنيين الجنوبيين على عدة اعتبارات. فهم من ناحية يفضلون، وبالتحالف مع سادة الجنوب، استخدام القضية الجنوبية كورقة تمكنهم من السيطرة على شمال اليمن وجنوبه سواء بالديمقراطية أو بالفوضى. ومن ناحية ثانية، فانهم يخططون، اذا لم يتمكنوا من احكام سيطرتهم على السلطة في اليمن الموحد،  لإستخدام الحراك  لفصل جنوب اليمن عن شماله لإعتقادهم بامكانية وسهولة اقامة دولة جنوبية يحكمها السادة تمثل امتدادا لسيطرة سادة حضرموت على السلطة في مرحلة ما بعد احداث يناير عام 1986.     

ومن المرجح انه اذا نجح الحوثيون، بالتعاون مع ايران، بتوظيف الحراك في فصل جنوب اليمن عن شماله واقامة دولة جنوبية يحكمها السادة ان ينشأ صراعا عنيفا بين السادة الجنوبيين وغيرهم من ابناء المجتمع وقد يؤدي ذلك الصراع الى قيام عدة دويلات جنوبية. لكن صراع السادة وغير السادة ليس الصراع الوحيد المتوقع في ظل تجربة جنوب اليمن مع الصراعات المناطقية.  

3. التحالف مع المخلوع


ظهر خلال عام   2012 بشكل واضح  وجود تحالف بين  الرئيس المخلوع  من جهة وبين عناصر الحراك بما في ذلك العناصر المطالبة بالإنفصال من جهة ثانية. ويعتقد ان الحوثيين هم مهندسي هذا التحالف وملاكه الحقيقيين.  ويتضح هذا التحالف من خلال عدة مؤشرات أهمها تسخير المخلوع لإمبراطوريته الإعلامية والمالية لخدمة عناصر الحراك الأكثر تشددا؛ تمويل نجل شقيق المخلوع لفعاليات الحراك المطالبة بفك الإرتباط؛ وتركيز الحراكيين في نقدهم للشمال والنظام اليمني على حزب الإصلاح واللواء علي محسن الأحمر وغض الطرف عن جرائم المخلوع بحق الجنوب والجنوبيين وعن الثورة المضادة التي يقودها لزعزعة استقرار اليمن والدول المجاورة. 

وفي حين تراجع الحراكيون اصحاب القضية الإساسية الى الخلف فقد تصدر "الحراكيش" والأخير مصطلح يطلق على الحراك المتحالف مع الحوثي وعلي عفاش المشهد الحراكي. ولا يعرف الى اي حد يمكن ان يمضي الحراكيش في مشروعهم ولا الى اي مسافة سيجاريهم المخلوع الذي يسعى  بمعاونة الحوثيين الى توطيد علاقته بالحراكيين للقضاء على خصومه والعودة الى السلطة. لكن الواضح ان  التحالف ذو طبيعة عدمية وان نتيجته الأهم هي ضرب الحراك وتمزيقه شر ممزق واستخدامه لإفشال اي تقدم ان يمكن ان يتحقق على الصعيد السياسي  لليمنيين سواء في الشمال أو في الجنوب  

4. التحالف مع جماعات القاعدة


اعتقد المحللون دائما اعتمادا على فرضية ليبرالية الجنوب وتقدميته استحالة قيام تحالف بين الحراك والقاعدة لكن التطورات خلال السنوات الماضية  تبرهن على ان جنوب اليمن اصبح ليس فقط بيئة جاذبة للتطرف ولكن صانعة له ايضا  ولا يتسع المجال هنا لعرض الأسباب التي قادت الى مثل هذا التطور لكن الشيىء الذي لا يخطئه الحس أو الشعور هو ان الجنوب وبعد ان ظهر واضحا ان الجماعات المتشددة  باتت تشكل جزءا هاما من حراكه يتجه في حال اعادة تجزئة اليمن نحو اقامة دولة يسيطر عليها ليس الإخوان المسلمين كما اعتقد المحللون قبل سنوات ولكن  الجماعات الجهادية الأكثر تطرفا وتشددا
اما اليسار المنهك بصراعاته التاريخية والمحاصر بدماء الجنوبيين التي تم ازهاقها في حروب الرفاق، فان دوره في الجنوب يشهد تراجعا يوما بعد آخر. ويمثل بروز اليمين المتطرف ضمن عناصر الحراك وتبنيه لخيار العنف تطورا خطيرا يجعل فك الإرتباط  بمثابة  محاكاة لما يجري في الصومال. 

5. الصراع على  السلطة  


رغم ان فصائل الحراك تتحدث عن فك الإرتباط الا انها تخوض  فيما بينها صراعا  متفجرا على السلطة يبدو واضحا من خلال بحث كل طرف عن ممول داخلي او خارجي يمكنه الإعتماد عليه ومن خلال وجود تناقضات في الأهداف وخلافات حول الوسائل. وتقف حالة التفتت التي يشهدها الحراك حائلا بين الحراك وبين تحقيق  ما يمكن تحقيقه عن طريق الحوار الوطني الذي قد يكون آخر  فرصة لتحقيق ما يمكنه حفظ ماء الوجه.