الثلاثاء، 31 يناير 2012

لماذا انا مع انتخابات المرشح الواحد؟

التزمت الأطراف السياسية اليمنية بموجب المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية وبموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2014) بعقد انتخابات رئاسية مبكرة يوم 21 من فبراير بمرشح واحد للأطراف السياسية الموقعة على المبادرة واليتها التنفيذية تم تحديده بالاسم، وهو عبد ربه منصور هادي. وهناك بالطبع من يعارض المبادرة الخليجية بكل ما جاء فيها، ومن الطبيعي ان يعارض الانتخابات الرئاسية باعتبارها جزءا من تلك الترتيبات الداخلية والإقليمية والدولية. 
كما ان هناك من القوى الاجتماعية من يعارض هادي لإنه يرى في صعوده تعطيلا لمشروعه الخاص في الوصول الى السلطة. ورغم التنوع في دوافع المعارضين الإ انه لا يمكن ان يخفى على المتابع ان جزءا كبيرا من تلك المعارضة يقف خلفه بقايا النظام المتباكين على الديمقراطية وغياب المرشح المنافس تارة، وعلى الثورة اليمنية المسروقة بحسب تعبيرهم تارات اخرى. والغريب ان تلك الأطراف التي تذرف دموع التماسيح على الديمقراطية اليوم، لم تكن تذرف حتى دمعة واحدة عندما كان صالح يزور الانتخابات التنافسية ويستأجر المنافسين ويخرب الحياة السياسية ويفسد الحياة العامة باسم الديمقراطية البريئة منه ومن تصرفاته براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وحتى لو كانت انتخابات فبراير تنافسية، فإن بقايا النظام كانت ستجد سببا آخر لمعارضتها.
اسباب المرشح الواحد
بغض النظر عن الدوافع الحقيقية لمعارضي الانتخابات الرئاسية المبكرة، فإنه يجب الإقرار بان انتخابات رئاسية بمرشح واحد لا يمكن ان تمثل الهدف الذي قامت من اجله الثورة. وما يجعلني انضم لمؤيدي الانتخابات وادعو طلابي واخواني واصدقائي واساتذتي وقرائي للمشاركة الفاعلة في هذه الانتخابات والعمل على انجاحها ليس لإنها النموذج الديمقراطي الذي يريد اليمنيون تبنيه، ولكن لأسباب ومبررات سأورد فيما يلي اهمها.
اولا، نعرف جميعا ان النظام البائد عجز منذ انتخابات عام 2006 الرئاسية عن تنظيم اي انتخابات بعد ان وصل عبثه بقانون الانتخابات والسجل الانتخابي واللجنة العليا للانتخابات حدا باتت معه اي انتخابات عبارة عن اجراءات شكلية الهدف منها احلال الأسرة محل الشعب والتأسيس لنظام حكم عشائري يمثل انقلابا على تضحيات عشرات الالاف من الشهداء الذين سقطوا على طريق النضال من اجل الجمهورية.
ثانيا، راهن صالح على الانتخابات الرئاسية المبكرة كشرط تعجيزي، وقد جاءت فكرة المرشح التوافقي كمحاولة لقطع الطريق على مخططات صالح الإجرامية التي اراد من خلالها الزج باليمن في مشروع صوملة يبدأ ولا ينتهي.
ثالثا، في ظل سجل انتخابي مزور، ولجنة انتخابات يعرف الجميع كيف تم تعيينها والطرف الذي تخدمه، وفي ظل سيطرة صالح واسرته على الجيش والأمن وعلى مقدرات البلاد بشكل عام لم يكن ممكنا ان يتم تنظيم انتخابات رئاسية تنافسية. ولم يكن ممكنا ابدا ان يتوفر لأي "انتخابات تنافسية" اي قدر من العدالة والنزاهة في ظل الأوضاع القائمة. ولذلك يمكن النظر الى انتخابات 21 فبراير (غير التنافسية) بانها اصدق انتخابات يشهدها اليمن حتى تاريخه بعد ان قادت كل انواع الانتخابات السابقة الى اعادة انتاج صالح ونظامه الأسري والقروي المقيت.
رابعا، سيذهب اليمنيون يوم 21 فبراير الى صناديق الاقتراع ليس لاختيار رئيس للبلاد من بين عدد من المرشحين، ولكن لإعلان دعمهم وتأييدهم لعبد ربه منصور هادي الذي حظي بالتوافق الداخلي والإقليمي والدولي على شخصه لقيادة البلاد بالشراكة مع حكومة الوفاق الوطني لفترة قصيرة جدا في حياة الشعب اليمني وهي عامين وليس لفترة رئاسية كاملة. وعلى اليمنيين ان يعوا جيدا انهم في وضع افضل من اخوانهم المصريين بالنسبة لهذه النقطة. ففي حين عين القادة العسكريون المصريون انفسهم قادة خلال فترة الانتقال ودون ان يأخذوا راي احد، فان قيادة الفترة الانتقالية في اليمن سواء تمثلت في الحكومة او في الرئاسة قد جاءت نتيجة توافق للقوى السياسية في الداخل، وكذلك نتيجة لتوافق اقليمي ودولي.
خامسا، يعرف الكثيرون ان اختيار هادي مرشحا توافقيا للجميع لم يأت من فراغ ولكنه جاء نتيجة تحليل للواقع السياسي اليمني وما يتسم به من تفتت تعمق خلال فترة الثورة وبحيث اصبح هناك العديد من القوى التي تسعى لتجيير الثورة لصالحها، وهو ما يمكن ان يخدم خطط صالح في نشر الفوضى وتحقيق نبوءته في الصوملة والعرقنة.
اهمية الانتخابات
يقول الكثيرون انه ما دام هادي قد اصبح بحكم المبادرة الخليجية رئيسا توافقيا سواء بالانتخابات او بدونها وبانتخابات مباشرة او غير مباشرة، فإنه لا جدوى من الحماس والمشاركة وان خروج الناس أو عدم خروجهم لن يضيف شيئا. وما يتم اغفاله هنا هو ان انتخاب هادي رئيسا للجمهورية وبغض النظر عن الطريقة التي سيتم بها انتخابه سيضع نهاية واضحة لعهد صالح وسيمثل بداية جديدة لمرحلة انتقالية يتحقق خلالها الأهداف التي خرج الشباب اليمني وضحى بالنفس من اجل تحقيقها. واذا تمت هذه الانتخابات بشكل مباشر، فإنها تقدم لمعارضي المبادرة الخليجية فرصة للتصويت ضد المبادرة الخليجية واظهار حجمهم الحقيقي. كما انها وبالمثل تقدم لمؤيدي المبادرة الفرصة لإظهار حجمهم الحقيقي ايضا. وبالنسبة لهادي، فان حجم التأييد والالتفاف الشعبي حوله سيكون له اهميته ودلالاته. ومع انه غير واضح حتى الان كيف سيتم اخراج بطاقة الاقتراع الإ انه يفترض ان تكون تلك البطاقة اشبه ببطاقة استفتاء وبحيث تتيح ليس فقط للمؤيدين ولكن للمعارضين ايضا التعبير عن آرائهم بوضوح.

الأربعاء، 25 يناير 2012

تحديات الشهر الأخير من رئاسة صالح

لا يكفي رحيل صالح عن البلاد ولا حتى رحيله عن السلطة ليشعر اليمنيون بان الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد قد انتهت. فهناك في الواقع خمس تحديات آنية تواجه اليمن خلال الشهر المتبقي لصالح في السلطة كرئيس فخري، وبعضها ربما سيظل يواجه اليمن لبعض الوقت في المستقبل. وتتمثل تلك التحديات في : التدهور الأمني، اختطاف الدولة، الثورات الصغيرة، الانتخابات الرئاسية، ومستقبل بقايا النظام.
التدهور الأمني
غادر صالح اليمن وقد عمل كل ما في وسعه لإطلاق الشيطان من قمقمه. وهناك ما يبعث على الاعتقاد ان صالح لن يعود الى اليمن رئيسا وقد لا يعود اليها ابدا. لكن من الواضح ان سفر صالح او بقائه داخل اليمن لن يغير كثيرا من معادلة الأزمات اليمنية المتشابكة ما لم يتبعه اجراءات اخرى. فقد عمل صالح خلال الأشهر الماضية على تعميق الأزمات والنفخ في كيرها بكل ما اوتي من قوة ولم يكن تسلميه لمدينة رداع لخليط من ارهابي القاعدة وانصار الشرعية الضائعة التي تمسك بها صالح طويلا قبل ان يبيعها بحصانة من المحاكمة سوى حلقة من حلقات الفوضى التي اراد صالح ان ينهي بها عهده لعلى وعسى ان تؤدي تلك الفوضى المنظمة الى الكشف عن فضائل صالح لأبناء شعبه الذين اصروا على خلعه باي ثمن. والواضح ان الوضع اليمني يشهد انحدارا مخيفا ينم عن وجود ايادي خفية تسعى لنشر الفوضى وتمكين القاعدة والجماعات الخارجة على القانون من اجل تحقيق اهداف سياسية لا يمكن تحقيقها باي وسيلة من الوسائل.
الدولة المختطفة
رحل صالح عن السلطة لكن الدولة اليمنية الهشة ما زالت في جيبه وجيوب اقاربه والنافذين داخل النظام. فالدولة في اليمن في هذا المنعطف التاريخي ليست سوى قوات الجيش والأمن. وربما ان صالح لم يسخر قوات اليمن العسكرية والأمنية واسلحتها لصالح جماعات القاعدة كما يعتقد البعض. لكن الشيء المؤكد هو ان صالح لم يسخرها ضد القاعدة ولا ضد اي من التهديدات الأمنية التي تتصاعد اليوم بسرعة كبيرة. لم يفعل ذلك بالأمس ولن يفعل ذلك اليوم أو غدا وحتى يوم 21 فبراير.
ومع ان اللجنة العسكرية لتحقيق الأمن والاستقرار التي خرجت من رحم المبادرة الخليجية اثبتت فاعلية في ازالة المتاريس والضغط على الأطراف لسحب قواتها من الشوارع، الإ ان قدرتها على ممارسة اي سيطرة على قوى الجيش والأمن تبدو منعدمة. ولذلك تجد اليمن نفسها اليوم في سباق صعب، ويفتقر الى التكافؤ، مع جماعات القاعدة. وتبدو حظوظ اليمن في تأجيل ذلك السباق، او الحد من السرعة التي يتطور بها، محدودة. والحال ان اليمن يحتاج وبسرعة الى استعادة السيطرة على ادوات الدولة التي يمكن بها مواجهة القاعدة وغيرها من المخاطر الأمنية المتصاعدة. وعندها فقط يمكن ان يكتسب رحيل صالح معنى واضحا.
الثورات الصغيرة
تشهد اليمن منذ اسابيع ثورات متفرقة داخل عشرات من الأجهزة المدنية والعسكرية والمؤسسات العامة والمختلطة، وكلها تطالب بالتصحيح ورحيل المسئولين الفاسدين الذين تولى صالح تربيتهم خلال 3 عقود. ويلاحظ ان تلك الثورات قد انطلقت بشكل تلقائي ودون ان يقف خلفها اي تنظيم سياسي او حزبي رغم الاتهامات المتبادلة بين الأحزاب. وجاء رحيل صالح ليزيدها زخما وعلى اعتبار ان صالح نفسه هو ابو الفساد وامه وخاله وعمه. ولم تشمل تلك الثورات كل الجهات وانما شملت جهات محددة عرف عن مسئوليها الفساد الكبير وانتهاك الحقوق لسنوات عديدة. ولا شك ان الثورات الصغيرة مهمة في بناء ثقافة حقوقية وفي دعم النزاهة والشفافية والمسائلة. وتزداد اهمية تلك الثورات عندما تمتد لتشمل قطاعات مثل المدارس الثانوية للبنات.
لكن تلك الثورات الصغيرة وبقدر ما تقدمه من فرص للتغيير الإيجابي فانها ايضا تنطوي على الكثير من المخاطر في ظل التدهور الأمني ووقوف حكومة باسندوة مكتوفة الأيدي وعاجزة عن التصرف السريع وتحقيق التغيير المطلوب وبالسرعة المطلوبة. فبعد اكثر من شهر من المسيرات والاعتصامات لمدرسات وطالبات مدرسة سنان حطروم الإعدادية الثانوية ازدادت مديرة المدرسة صلفا على صلف ولجأت الى استقدام بلاطجة للاعتداء على الطالبات ناهيك بالطبع عن الشلل الذي اصاب العملية التعليمية والشعور بالخذلان بين المدرسات والطالبات وفقدان الثقة بالحكومة. ولجأ محمد صالح الأحمر الأخ غير الشقيق لصالح، الى الاستعانة بقوات الأسرة من حرس جمهوري وامن مركزي لقمع الاحتجاج الذي نفذه جنود وضباط الدفاع الجوي غير مكترث لسلطة هادي او باسندوة ولحقيقة تاريخه الطويل المليىء بالانتهاكات لحقوق منتسبي الدفاع الجوي.
الانتخابات الرئاسية
تمثل الانتخابات الرئاسية المباشرة المقرر اجرائها في 21 فبراير تحد حقيقي لليمن رغم انها شكلية جدا. وينبع التحدي من ان صالح الذي اعلن انه سيعود من الخارج يوم 21 فبراير لتتويج هادي رئيسا وتسليمه دار الرئاسة يراهن على ما يبدو من خلال الشواهد على تنصيب جماعات القاعدة وتسليمها دار الرئاسة بنفس الطريقة التي سلم بها مدينة زنجبار الى تلك الجماعات.
ومع ان الانتخابات الرئاسية المبكرة يمكن ان تجرى تحت اي ظرف من الظروف الا ان التحديات الأمنية المتنامية والتعقيدات التي تتضمنها تلك الانتخابات والمخاطر المحتملة التي سترافقها تجعل المرء يتساءل عما اذا كان من الحكمة انتخاب هادي بشكل مباشر او الركون الى خيار الانتخاب غير المباشر وعلى اعتبار ان طريقة الانتخاب لا تهم مادام هادي قد اصبح رئيسا توافقيا.
وصحيح ان هناك من يعتقد ان تلك الانتخابات ستجعل هادي اكثر قوة الإ ان الأمر ربما ليس كذلك. فاذا كانت الانتخابات الرئاسية التنافسية لم تفد صالح عندما انتفض عليه الشعب، فان الانتخابات غير التنافسية لن تفيد هادي اذا قرر الشعب الثورة على هادي. ويظل انتخاب هادي من قبل مجلس النواب الطريق الأقل تكلفة والأكثر أمنا. فهادي لا يملك المليارات التي يمكنه توزيعها على مراكز القوى لتقوم بحشد الناخبين كما كان يفعل صالح، والدولة اليمنية لا تملك تلك المليارات لتدفع فواتير هادي. وحتى لو كانت تملك مثل تلك المليارات، فانه سيكون من العبث توجيهها للإنفاق على عمل مسرحي بهذه السطحية اراد به صالح ابتزاز بلاده حتى آخر ثانية من رئاسته. وسواء تم انتخاب هادي بشكل مباشر او بشكل غير مباشر فان الشيىء الأكيد هو ان الذين يفتقدون ضوء الكهرباء طوال الليل ولا يجدون القوت الكافي خلال الليل والنهار لن تهمهم الإنتخابات الإ اذا كانت ستنطوي على وجبات غذائية مجانية وبدل تنقل.
مستقبل بقايا النظام
تكمن المشكلة في اليمن في انه لا المؤتمر حزب حقيقي ولا احزاب المعارضة احزاب حقيقية. لقد لامس صالح حياة الأشخاص والأحزاب والقيم فأحال كل شيء وضع عليه يده الى فحم. ومع ذلك فانه يمكن التمييز بين نوعين من بقايا النظام. فهناك الموالون للأسرة الحاكمة بشكل اعمى والذين حتى وان وجدوا داخل الحزب الحاكم فانهم كالأنعام تحركهم الحاجات الأساسية، وهؤلاء سيتكفل بهم الزمن. وبالنسبة للمؤتمر فصحيح ان هناك بعض الأشخاص الذين ما زال بالإمكان الرهان عليهم، الا ان المؤتمر ككل ما زال وكما كان دائما يمثل جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل. وفي حين يراهن البعض في الداخل والخارج على ان يلعب المؤتمر دورا هاما خلال المرحلة القادمة فانه من الواضح ان امكانية استمرار المؤتمر كقوة سياسية سيرتبط بشكل اساسي بقطع الحبل السري الذي يربطه بالأسرة الحاكمة، وهي مهمة شاقة بالتأكيد على الكثيرين في المؤتمر الذين لم يرون انفسهم يوما الإ كجنود لصالح واسرته.



السبت، 21 يناير 2012

اعطوا باسندوة فرصة

غادر محمد سالم باسندوة اليمن يوم 9 يناير متوجها الى السعودية ومنها الى دول خليجية أخرى بعد ان قدم مشروع الحصانات لصالح الى مجلس النواب وعلى امل ان يعود وقد حسمت القوى السياسية امرها دون ان يضطر هو شخصيا الى الذهاب الى مجلس النواب لإستجداء الحصانات لصالح او لغيره. لكن المثير ان القوى السياسية اليمنية جميعها فشلت في حسم القضيتين اللتين تركهما باسندوة خلف ظهره وهما قضية قانون الحصانات لصالح وقضية تركية عبد ربه منصور هادي كمرشح توافقي للإنتخابات الرئاسية المبكرة في 21 فبراير القادم. وبغياب باسندوة شهد الوضع السياسي اليمني توترا  لم يسبق له مثيل منذ تولي حكومة باسندوة لزمام الأمور. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد. بل ذهب احد الأطراف ابعد من ذلك وقام بتسليم مدينة رداع بمحافظة البيضاء لجماعة القاعدة. وبدا مستقبل المبادرة الخليجية خلال الأيام الأخيرة في مهب الريح. 
وكنت شخصيا اشعر بالقلق من غياب باسندوة واخشى ان يطول غيابه مما يؤدي بقوى الشر الى تسليم العاصمة صنعاء ذاتها الى جماعات القاعدة. لكن باسندوة عاد بسرعة وبرهن على انه رجل المرحلة بالفعل وانه مستعد ان يذهب في تقديم التضحية في سبيل اليمن الى ابعد حد ممكن. وتمكن باسندوة بالفعل وبتعاون الجميع من تجاوز عقبتي قانون الحصانات وتزكية هادي ليشعر الجميع من جديد، بعد ازاحة اكبر العقبات التي كانت تعترض المضي في تنفيذ المبادرة الخليجية الى النهاية، بانفراج كبير في الوضع السياسي
ومن المؤسف ان البعض لم يعجبه بكاء باسندوة امام نواب الشعب، وهو يصف المخاطر التي تواجه اليمن ويحث القوى السياسية على اتخاذ قرارات جريئة وصعبة وحاسمة، وقد سارع ذلك البعض الى تأويل دموع باسندوة وتحميلها اكثر مما تحتمل. وتمادى بعض ذلك البعض فامتشق سيف الأحكام المسبقة والجاهزة على المستقبل دون مراعاة لحقيقة ان باسندوة ما زال في اول الطريق وانه يواجه كل اصناف العقبات التي يزرعها النظام امام حكومته. وليس مطلوبا من احد ان يوقع لباسندوة وحكومته شيكا بالدعم على بياض، وما هو مطلوب من الجميع هو اعطاء فرصة لحكومة باسندوة ليس لمدة 34 عاما ولا حتى لخمس سنوات ولكن لستة اشهر على الأكثر.. 

الثلاثاء، 17 يناير 2012

اولويات الإصلاح خلال المرحلة القادمة

د عبد الله الفقيه
استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء

كنت مدعوا الى فعالية حول اولويات الإصلاح في اليمن خلال المرحلة القادمة ولم اتمكن من حضور الفعالية بسبب ازدحام جدول المحاضرات وضيق  الفصل الدراسي. لكن عدم الحضور لا يعني ابدا ان يتوقف الإنسان عن التفكير في مسائل تبدو مصيرية بالنسبة لليمن واليمنيين. وفي تصوري فان اولويات الإصلاح خلال المرحلة القادمة تتمثل في الاتي:
1. رحيل صالح وافراد اسرته. وفي تقديري فان هذه مسألة باتت محل اتفاق الجميع، وهي في طريقها للحدوث عن قريب شاء من شاء وابى من ابى . وبدون ان تتحقق هذه الخطوة، فان اي حديث عن استقرار لليمن او عن اصلاح سيظل مجرد احلام يقظة. لقد اخفق اليمن في ظل صالح في تحقيق اي تقدم يذكر واذا احتفظ صالح باي بقاء لأفكاره او لأسلوبه في الحكم فإن اليمن ستظل اسيرة الدائرة المغلقة التي ادخلها صالح فيها.
2. اعادة بناء قوات الجيش والأمن على اساس وطني واخراجها من العملية السياسية والحزبية ، وهذا الشرط يعتبر الشرط السابق على اي عملية اصلاحية والذي يفترض ان يسبق اي خطوة اخرى. وبناء الجيش على اساس وطني لا يعني ابدا ان يحل الهاشميون محل السنحانيين او البكيليون محل الحاشدين او الجنوبيين محل الشماليين ولكنه عملية يفترض ان تكون بعيدة عن التبسيط وان تتم في اطار تحديد واضح لمهام تلك القوات واعادة نشرها وضمان عدم وقوع قوات الجيش والأمن تحت سيطرة اي فرقة سياسية او اجتماعية كما حدث في عهد صالح، وعلى ان يخضع القادة في تلك الوحدات للتدوير وفقا للقانون كل 4 أو 5 سنوات كحد اقصى. ولا بد ان تكون مهام الجيش اليمني خلال مرحلة ما بعد صالح متسقة مع الأهداف التنموية ومتناغمة ليس فقط مع التحديات الأمنية التي تواجه اليمن ولكن ايضا مع التحديات الأمنية التي تواجه جيران اليمن والمجتمع الدولي بشكل عام في هذا الجزء من العالم.
3. تطبيع الحياة اليومية بما يعنيه ذلك التطبيع من اعادة الخدمات العامة الى وضعها السابق ثم العمل على تطويرها وخصوصا خدمات وامدادات الطاقة التي تشكل عصب النمو الإقتصادي. ولا يمكن ان يتم تطبيع الحياة اليومية بمعزل عن اعادة بناء ونشر قوات الجيش والأمن وتحديد مهامها بما يحقق التطبيع اليومي للحياة بقوة القانون وبالقوة المادية للجيش والأمن.
4. الدخول في حوار وطني شامل لكل القوى والفعاليات السياسية بما في ذلك الشباب، الحراك الجنوبي، والحوثيون، وبرعاية اقليمية ودولية، وعلى ان يتولى مؤتمر الحوار الوطني الوقوف امام القضية الجنوبية والتمرد في صعدة والمظالم المختلفة للقوى السياسية والاجتماعية وتحديد الخطوط العريضة لشكل الدولة والنظام السياسي. ويجب ان يكون واضحا ان فرص الحوار الوطني في النجاح سيرتبط اولا وقبل كل شيء بالنجاح في تنفيذ الخطوات 1، 2، و3 . كما سيرتبط ايضا بالدور الإقليمي والدولي الفاعل. اما الدخول في الحوار الوطني، في ظل الأوضاع الحالية، ودون تحقيق تقدم ملموس في الخطوات 1، 2، 3 فإن ذلك قد يؤدي الى المزيد من تعميق الخلافات بين القوى السياسية والاجتماعية والى المزيد من تحلل الدولة وتفتت المجتمع.
5. يشكل التعليم المدخل الطبيعي والمنطقي لبناء الديمقراطية وتجديد الثقافة والتخلص من القيم السلبية وصياغة الشخصية اليمنية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة وبين الهوية الإسلامية والانفتاح على العالم في غير افراط او تفريط، وتحقيق الدمج الاجتماعي، وبناء دولة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات. كما يشكل التعليم المدخل الطبيعي لتحقيق التنمية وحل العديد من المشكلات الاجتماعية بما في ذلك المشكلة السكانية ومشاكل البطالة والثأر وتعاطي القات، وغيرها.

الخميس، 12 يناير 2012

الخطر الرئيس ما زال الرئيس

قال محمد سالم باسندوة رئيس حكومة الوفاق الوطني في تصريحات له منتصف الأسبوع المنصرم ادلى بها قبل بدء جولة خليجية "الخطر الرئيس ما زال الرئيس." وقد ابلغ باسندوة في ايجازه. وجاءت تصريحاته تلك في وقت زادت فيه بلطجة صالح في الأيام الأخيرة ظنا منه بان العالم قد فقد اهتمامه باليمن وان الوقت قد حان بالنسبة له ليبدأ بلطجاته المعهودة والتي تجرعها اليمنيون لقرابة 34 عاما وسيظلون يتجرعونها الى ان يتم خلع صالح رسميا في 21 فبراير 2012.
واذا كان صالح وجيل البلاطجة الذين رباهم قد ظنوا ان الإبقاء على اليمن في الظلام وحجب اخبار زيارة باسندوة الى دول الخليج عن الشعب اليمني يمكن ان يحسن وضعهم السياسي فقد خابوا وخسروا لإن البلطجة لا يمكن ان تحجب ضوء الشمس وقد بدا واضحا حجم الدعم الإقليمي والدولي لحكومة باسندوة من خلال حفاوة الاستقبال ووعود الدعم الخليجي لحكومة باسندوة. وليس متوقعا من دول الخليج بعد ان ذاقت المرة تلو الأخرى مرارة بلطجة صالح والتي تبدت جلية وواضحة عندما تحالف مع طاغية العراق في اغسطس 1990 سوى ان تدعم حكومة باسندوة لإن استقرار اليمن وتنميته هو بمثابة استقرار وتنمية للخليج. ولم يكن يقف بين اليمن والدعم الخليجي سوى فساد صالح وبلطجته وسعيه للإبقاء على اليمن متخلفا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.
وتأتي العودة المفاجئة لجمال بن عمر مبعوث الأمين العام للإمم المتحدة الى صنعاء الخميس لتؤكد لصالح ان المجتمع الدولي لم يفقد الاهتمام باليمن. كما تاتي لتؤكد ايضا بان المجتمعين الإقليمي والدولي لن يسمحا لصالح وبلاطجته بالالتفاف على المبادرة الخليجية او تفجيرها من داخلها عن طريق مشروع قانون الحصانات والضمانات او عن طريق خلق دولة ظل كما فعل دائما.
والحقيقة التي لا يريد صالح ان يفهمها هي ان عهده يتجه بسرعة الى الزوال تماما وعلى طريقة "يداك اوكتا وفوك نفخ" وان الحصانة الوحيدة الحقيقية التي يمكن ان يحظى بها هي ان يجمع صبيانه ويرحل بهم في اقرب فرصة وعبر اقرب منفذ. وهناك دولتان فقط في العالم يمكن ان تستقبلاه هو و صبيانه وتوفر لهما ملجئا آمنا. اما اذا اخطأ صالح الطريق كما يفعل دائما ووجد العفاشي الغبي نفسه في دولة ثالثة، فان احتمال محاكمته كارهابي كبير جدا.
وقع صالح فوقع
وقع صالح منذ وقت طويل و لا يمكن النظر الى عهده سوى على انه 34 عاما من "صناعة السقوط." ولم يكن توقيع صالح على المبادرة الخليجية سوى التتويج النهائي لذلك السقوط. لقد وقع صالح وقد اضمر الخديعة والمكر كعادته لكن المجتمع اليمني باسره والمجتمع الدولي بكافة مكوناته باتوا جميعا يعرفون صالح عن ظهر قلب، ولم يعد صالح بقادر على القيام باي حيلة ..وكلما حاول صالح اشعال حريق او تفجير حرب سارعت القوى السياسية اليمنية وحلفاؤها الدوليين الى اطفائها ..ولم يعد لدى صالح سوى خيارين. فإما ان يقضي ايامه الأخيرة في السلطة يمارس هوايته المعتادة في القتل، وهذا امر متوقع منه او ان يشرف نفسه ويرحل. واذا ما قرر صالح الرحيل فله ان يأخذ معه من شاء من خصومه. فمن حسن حظ اليمن ان خصوم صالح اظهروا دائما استعدادهم للتضحية من اجل اليمن بدرجة اكبر من استعداد صالح للتضحية بالبلاد من اجل مصالحه الشخصية والأسرية.
وبالنسبة لمشروع قانون الحصانات لصالح وكل من عمل عمله من الملاحقات القضائية فيمثل فضيحة مدوية ينهي بها صالح عهده وهي لعمري فضيحة امام الداخل والخارج أسوأ في حجمها من هروب زين العابدين ومن محاكمة محمد حسني مبارك وحتى من النهاية التي لقيها سيئ الذكر معمر القذافي. وهي فضيحة لأسباب عديدة.
اولا، يمثل تقديم صالح لمشروع القانون اقرار منه بالجرائم التي ارتكبها هو والذين عملوا معه ضد الشعب اليمني طيلة ثلث قرن، وهي بالتأكيد جرائم جسيمة تشمل فيما تشمل الخيانة الوطنية والتفريط بالنظام الجمهوري وسفك الدماء واثارة الفتن ورعاية الجماعات الإرهابية.
ثانيا، يمثل مشروع القانون جريمة ابتزاز ضد الشعب اليمني لإن صالح يقدم هذا القانون وصواريخه التي اشتراها من ثمن حليب الأطفال وادوية العجزة والمصابين موجهة الى رؤوس اليمنيين وصالح يقول لليمنيين اما ان تمرروا لي قانون الحصانات والضمانات وتعفوني من تطبيق الشريعة الإسلامية وكافة القوانين او اقتل اكبر عدد منكم.
ثالثا، يعكس مشروع قانون الحصانات افتقار صالح الى شجاعة الرجال واخلاق الزعماء والقادة. وكمقارنة بسيطة للواحد منا ان يتذكر اعلان الزعيم الثوري علي محسن الأحمر انه مستعد ان يضع نفسه تحت المسآلة امام قضاء وطني عادل في مرحلة ما بعد الثورة عن كل تصرف قام به. فاين هو صالح من اخلاق الزعماء؟ واين القيادة والزعامة التي لطالما ادعاها صالح؟ ماذا سيكتب عنه المؤرخون؟ وكيف سيتذكره الناس؟





الأربعاء، 4 يناير 2012

الحصانة لثلث قرن من القتل واللصوصية

تداول النشطاء على الشبكات الإجتماعية مسودة ما سمي بـ"منح حصانة من الملاحقة القانونية والقضائية" طبعا لعلي عبد الله صالح الرئيس اليمني المخلوع.. وقد احتوى مشروع القانون على 3 مواد جاءت نصوصها على النحو التالي:

مادة (1) يمنح الأخ/ علي عبدالله صالح – رئيس الجمهورية – ومن عمل معه في جميع أجهزة ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية خلال فترة حكمه حصانة كاملة من الملاحقة القانونية والقضائية في أية شكاوى أو طلبات أو دعاوى قضائية يمكن أن ترفع أو تكون قد رفعت أمام أي جهات قضائية أو إدارية داخل الجمهورية اليمنية أو خارجها وذلك أثناء ممارستهم لمهامهم خلال فترة حكمه.
مادة (2) يعتبر هذا القانون من أعمال السيادة ولا يجوز إلغائه أو الطعن فيه.
مادة (3) يعمل بهذا القانون من تاريخ صدوره وينشر في الجريدة الرسمية.

والقانون لا أهمية له من وجهة نظر دستورية أو قانونية ومجلس النواب الذي سيقره سينقضه واذا لم ينقضه مجلس النواب القائم فسينقضه مجلس النواب الذي سيأتي بعد سنتين، واذا لم ينقضه مجلس النواب القادم فسينقضه مجلس النواب الذي بعده وسيحاكم صالح حتى لو استدعى الأمر اخراج عظامه من القبر وحملها الى المحاكم لتواجه عدالة السماء.  واذا كان لمشروع القانون الذي يمثل عطاء من لا يملك الى من لا يستحق من أهمية، فانها تكمن في اعتراف صالح ومن عمل معه بجرائمهم في حق الشعب اليمني والتي تنوعت في مضامينها فشملت السرقة والقتل ونهب اراضي وممتلكات الشعب وخيانة النظام الجمهوري وانتهاك الحقوق والحريات والكرامات وغير ذلك من الجرائم التي لا يمكن ان تسقط بالتقادم.
وحق لشباب الثورة في الميادين والساحات ان يغضبوا لإن مشروع القانون يمثل بحد ذاته جريمة اخرى تضاف الى جرائم صالح واسرته والذين عملوا معهم وتتمثل تلك الجريمة في اهانة الشعب اليمني ونظامه الأخلاقي والقيمي  وفي اهانة الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية الغراء بل وكل الشرائع والأديان السماوية والوضعية التي تحرم القتل واللصوصية والخيانة والكذب وتحض على العدالة والمساءلة والمحاسبة.
وسيواجه النظام اليمني والدولة اليمنية تحديات صعبة ان تم اقرار او تنفيذ مثل هذا المشروع، واذا كان ابو الجريمة وامها وابو اللصوصية ومعلمها وراعي الإرهاب في اليمن سينجو بجرائمه من العقاب الذي يستحقه  فسيكون ضربا من النفاق ان يبقى الالاف من صغار اللصوص والقتلة وحتى الارهابيين في السجون اليمنية. فالعدالة لا تتجزىء ولا يمكن ان تكون انتقائية.