الأحد، 26 يونيو 2011

الربيع العربي وصحاري السعودية القاحلة

تناقلت وسائل الإعلام قبل ايام خبر عقد قرآن نجل ملك البحرين الشيخ خالد بن حمد آل خليفة (من مواليد عام 1989) من الأميرة سحاب بنت عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية المولودة في عام 1993. ومع ان التزاوج بين افراد الأسر الحاكمة في دول الخليج ليس جديدا الإ أن هذا الزواج بالتحديد وفي خضم التطورات التي تمر بها مملكة البحرين يثير بسبب توقيته واطرافه العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام. فمملكة البحرين تواجه اليوم ثورة شعبية تقودها اغلبية سكانية شيعية مهمشة ومحرومة من الحقوق ضد عصبية سنية صغيرة تملك السلطة والثروة والقوة وشأنها في ذلك شأن الجمهورية السورية مع اختلاف المواقع حيث تقود في الأخيرة اغلبية سنية مهمشة تقارب الـ90% ثورة ضد عصبية علوية صغيرة تمتلك السلطة والثروة والقوة منذ أكثر من اربعة عقود.
ومع انه لا يمكن وصف الثورة الشعبية في البحرين أو في سوريا بانها ثورة طائفية الإ أن الدعم الإيراني لأسرة الأسد في سوريا، والسعودي لأسرة آل خليفة في البحرين يضيف بعدا طائفيا الى الثورتين. واذا كان آل الاسد في سوريا يملكون من ادوات القمع والحقد الطائفي ما يجعلهم في غنى عن دعم ايراني مكشوف، فان ضعف الأسرة المالكة في البحرين قد جعل الأسرة المالكة في السعودية تسارع بإرسال قواتها الى البحرين لمساندة ديكتاتورية سنية تملك من الحقد عدة اضعاف ما تملكه من القوة.
لكن السعودية ذاتها ليست بمعزل عن تجليات الربيع العربي، ويبدو من خلال الإرهاصات العديدة التي تشهدها المنطقة ان ربيع المملكة هو قريب لا بعيد وحتمي لا احتمالي. فالملك عبد الله (من مواليد عام 1924) يوشك ان يكمل العقد التاسع من عمره ويبدو معزولا تماما عن ما يعتمل على الأرض سواء داخل بلاده أو في الدول العربية من حوله، وهو معذور في ذلك. ومن الظلم ان يتوقع منه الثوار العرب أو حتى اعداء الثورات العربية الكثير وقد وصل الى هذا السن المتأخر. فملك السعودية لا يمكن ان يكون ببساطة ضد الثورة اليمنية كما يتهمه الثوار في ميدان التغيير في العاصمة اليمنية صنعاء وساحة التحرير في مدينة تعز، ولا هو مع دكتاتورية آل خليفة في البحرين ذات العمق الطائفي، ولا حتى مع سنة سوريا في ثورتهم ضد فاشية آل الأسد. لكنه يتصرف كما اعتاد دائما في عالم بات جد مختلف. ويكفي ان يصور علي عبد الله صالح حربه ضد الحوثيين في شمال اليمن بانها ضد ايران وان يزعم طاغية البحرين ان ثورة شعبه ضده هي مؤامرة ايرانية حتى يرسل الملك عبد الله قواته ومعداته وامواله.
وقد أخطا الملك هذه المرة عندما ارسل رجاله ومصفحاته لإنقاذ آل خليفة في البحرين تماما مثلما اخطأ عندما قرر خوض حرب ضد الحوثيين في شمال اليمن نهاية العام قبل الماضي ومثلما اخطأ بدعوة مملكتي الأردن والمغرب الى الالتحاق بمجلس التعاون الخليجي في محاولة منه لإنقاذهما من السقوط.
وفي حين يعتمل تحت رمال المملكة نار موقدة، فإن النائب الأول للملك الأمير سلطان ابن عبد العزيز (من مواليد عام 1931) يستقل طائرته الخاصة ميمما نحو الولايات المتحدة في رحلة استشفاء جديدة لأمير عاش طويلا واصبح الكبر بكسر الكاف داءه الأخطر الذي لا شفاء منه. تولى الأمير سلطان وزارة الدفاع والطيران قبل نصف قرن وما زال حتى اليوم يحتفظ بذلك المنصب الى جانب ولاية العهد وربما كانت الحرب التي خاضها الجيش السعودي ضد الحوثيين خلال عامي 2009 و2010 هي الحرب الوحيدة في سجل ذلك الجيش الذي كشفت حربه ضد الحوثيين بانه لا يمكن الاعتماد عليه في اي مهمة حقيقية.
أما الأمير سعود الفيصل (مولود في عام 1940) وزير الخارجية السعودي منذ عام 1975 واقدم وزير خارجية في العالم، فليس في وضع افضل من الملك عبد الله أو من النائب الأول. فالأمير المصاب بمرض الزايمر "يكافح" كما وصفه صحفي عربي "لإبقاء قامته منتصبه ولمنع رأسه ورقبته من الانحناء الى الأمام"، ومع ذلك فإنه يتشبث بالمنصب الذي ورثه عن والده الملك فيصل الذي جمع بين منصب الملك ووزير الخارجية من المهد الى اللحد. ويبدو ان الأمير الذي قضى في منصبه حتى الان حوالي 35 عاما ويتحدث سبع لغات على الأقل لم يتعلم لغة التغيير والتجديد.
لقد فشل كهول آل سعود المتشبثين بالسلطة والذين لا تنزع عنهم المواقع العامة رسميا الإ من قبل عزرائيل قباض الأرواح في ابسط تحد وهو نقل السلطة الى الجيل الثاني من الأسرة بطريقة سلسة وآمنة. كما فشلوا ايضا في مواكبة التغييرات العاصفة التي يشهدها العالم والتكيف معها. واصبح الملوك والأمراء الذين لطالما فاخروا بانهم يسيرون في المقدمة ومن خلفهم الشعب ويستجيبون لتطلعات شعبهم قبل ان تتحول الى مطالب يسيرون خلف شعبهم وتفصلهم عنه مسافة تزداد طولا مع مرور الزمن.
ويخطأ من يراهن اليوم على السعودية في مواجهة المد الثوري او في البقاء والاستمرار في عالم عربي اصبح من المستحيل على شعوبه ان تعيش خارج العصر كما تريد لها الأسر الحاكمة التي تعيش في العصور الوسطى وما زالت تظن ان بقاء الممالك أو زوالها يمكن ان يتحدد من خلال زواج سياسي بين عائلتين حاكمتين أو من خلال تركيم الثروات الخاصة التي تقدر بالنسبة للأسرة المالكة في السعودية بأكثر من ترليون دولار (نعم .. الف الف مليون دولار)، أو حتى من خلال انشأ تكتل اقليمي خاص بالأنظمة الملكية المطلقة.
فالمملكة السعودية التي هي اصغر في عمرها من عمر الملك الذي يحكمها والتي ينظر اليها الكثيرون في الغرب على انها عاصمة التشدد الديني في العالم تقترب، مع اندلاع كل ثورة عربية جديدة، من الانفجار الكبير الذي ينتظرها. ومن غير المتصور ان ينتهي الربيع العربي الذي يتوقع ان يمتد طويلا دون المرور بالسعودية التي تعتبر اليوم، اذا ما تم استثناء سوريا التي يتساقط نظامها شبيحة بعد شبيحة، النظام الأكثر استبدادية في العالم اجمع. ويدرك الكثيرون انه لا يمكن الحديث عن ربيع عربي اذا لم تظهر علامات ذلك الربيع على صحاري السعودية القاحلة تماما مثلما كان من الصعب الحديث عن ثورة في شرق أوروبا دون أن تظهر علاماتها في موسكو.
ولم يبق امام السعوديين حكومة وشعبا كما يبدو سوى انتظار الانفجار الكوني الذي لن يستطيع احد منع حدوثه. وسيزلزل ذلك الانفجار بقوة وشدة المملكة التي اسسها رجل صلب هو عبد العزيز آل سعود واصبحت اليوم بفعل صراع ابنائه الكهول على السلطة والثروة وفشلهم في التكيف مع العصر في مهب الريح. ولن يقتصر تأثير الانفجار الكوني الوشيك على السعودية، ولكن اصدائه ستسمع في العديد من ارجاء الأرض. وعندما تبدأ الثورة سيقفز كثيرون من مركبة الأسرة الحاكمة التي تغرق الى مركبة الثورة وقليلون فقط داخل الأسرة سيتماهون مع الماضي الذي لا بد ان يصبح ماضيا وسيغرقون في غياهبه. وستنتهي الدولة السعودية الثالثة كما انتهت الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية وستبدأ هذا المرة دولة شعب الجزيرة العربية.

الأربعاء، 15 يونيو 2011

مجلس التعاون الخليجي يدفن المبادرة الخليجية

دفن اجتماع لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي عقد امس في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية ما عرف بالمبادرة الخليجية بشأن اليمن ولوحظ ان البيان الصحفي الصادر عن الإجتماع لم يشر للمبادرة من قريب أو بعيد حيث جاء فيه: 

"الشأن اليمني: عبر المجلس عن ألمه لما تتعرض له الجمهورية اليمنية الشقيقة من أحداث عنف ترتب عليها سقوط القتلى والجرحى ، ويحث كافة الأطراف على ضبط النفس وتحكيم العقل لتجنيب اليمن الشقيق مخاطر الانزلاق إلى المزيد من العنف والاقتتال ، مؤكداً استمرار دول المجلس في بذل كافة الجهود من اجل حفظ أمن واستقرار ووحدة اليمن الشقيق وتحقيق تطلعات شعبه ." 

وياتي دفن الخليجيين للمبادرة بعد عدة تطورات اهمها انسحاب احزاب اللقاء المشترك من المبادرة، وانفجار جامع النهدين، وانسحاب دولة قطر،  وظهور الكثير من التعقيدات التي تعيق تطبيق المبادرة.  وقد اكتفى البيان بالتأكيد على ان دول المجلس مستمرة في "بذل كافة الجهود من اجل حفظ امن واستقرار ووحدة اليمن."  ويهيىء الموقف الخليجي الأرضية اليمنية لتطورات هامة خلال الأيام القليلة القادمة.

ومع ان الإجتماع يعتبر الأول الذي يعقد بعد  حادثة جامع النهدين الا انه يلاحظ انه خلا من اي اشارة الى الحادثة في امر لا يخلو من دلالة بالنسبة لصالح وللحزب الحاكم وللنظام السياسي القائم في اليمن. وهذا التطور بالتحديد هو الذي جعل عبده الجندي يفتح النار على قطر وقيادتها في سخافته المسماة "مؤتمر صحفي." وكاد الجندي ان يتهم قطر بشن هجوم على جامع النهدين لولا انه ادرك ان هناك الكثيرين لا بد ان يشملهم الأتهام ولذلك اكد على تورط العديد من الأطراف الداخلية والخارجية بما في ذلك ربما الجندي نفسه.

روابط ذات صلة

الأحد، 12 يونيو 2011

الثورة الشبابية اليمنية ومعضلة الدستور

لعل أول مسألة يمكن ان تثار عند الحديث عن ترتيبات فترة الانتقال من الحكم الأسري لعائلة علي صالح الى حكم الشعب اليمني هي تلك المتعلقة بوضع الدستور النافذ وهل من المناسب تعليق العمل بالدستور أم الاستمرار في العمل به وترتيب فترة الانتقال وفقا للنصوص الواردة فيه. وتتمثل المشكلة في ان الدستور الحالي قد تعرض للكثير من التشويه وتم كتابته واعادة كتابته ليناسب مقاس الصالح وحاجات اسرته الحاكمة وهو ما يجعله غير صالح البتة لترتيب فترة نقل السلطة من الأسرة المغتصبة لها الى الشعب صاحب الحق فيها.
وللتدليل فقط على الصعوبات التي يمكن ان تنشأ في حال اتفقت القوى السياسية على تنظيم الفترة الانتقالية وفقا لنصوص الدستور الحالي فإن المادة رقم ( 116) تنص على انه "في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى مهام الرئاسة مؤقتا نائب الرئيس لمدة لا تزيد عن ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئيس يتم خلالها اجراء انتخابات جديدة للرئيس، وفي حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معا يتولى مهام الرئاسة مؤقتا رئاسة مجلس النواب، واذا كان مجلس النواب منحلا حلت الحكومة محل رئاسة مجلس النواب لممارسة مهام الرئاسة مؤقتا، ويتم انتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما من تاريخ أول اجتماع لمجلس النواب الجديد."
وبداية فإن اول اشكالية تنطوي عليها المادة التي ترتب انتقال السلطة هي انها تعطي نائب رئيس الجمهورية اذا شغر منصب الرئيس الحق في تولي السلطة لمدة ستين يوما فقط يتم خلالها انتخاب رئيس جديد. واخذا في الاعتبار الأوضاع السياسية والمؤسسية والاقتصادية والاجتماعية التي تجعل من المستحيل انتخاب رئيس جديد خلال ستين يوما فإن المادة تصبح عديمة الفائدة في تنظيم الفترة الانتقالية. ضف الى ذلك أن نائب رئيس الجمهورية يمارس اختصاصاته منذ انتخابات عام 1999 بدون صدور قرار جمهوري بتعيينه وهي خطوة حرص عليها صالح لضمان بقاء السلطة بأيدي اسرته في حال فقدانه القدرة على ممارسة اختصاصاته وسيكون تولي نائب الرئيس للرئاسة في ظل عدم وجود قرار بتعيينه بمثابة مخالفة دستورية. وهناك عائق ثالث امام نائب الرئيس وهو عائق سياسي. فالواضح ان هناك معارضة قوية داخل الحزب الحاكم لتولي امينه العام للرئاسة وهي معارضة متشعبة في أسبابها ولا يتسع المجال لشرحها هنا.
وعودة الى المادة رقم (116) فان الملاحظ انها تنص على انه في حال خلو منصب الرئيس ونائبه وهو الوضع الذي نحن بصدده (بالنسبة لنائب الرئيس لعدم صدور قرار بتعيينه) فإن رئاسة مجلس النواب تتولى الرئاسة مؤقتا ولكن الإشكالية تكمن في ثلاث جوانب: الأول ان مجلس النواب هو في حكم المنحل وهذه المسألة يمكن الالتفاف عليها من خلال التوافق بين القوى السياسية؛ والثانية هي ان هيئة رئاسة مجلس النواب انتهت فترتها القانونية بحسب اللائحة الداخلية للمجلس ولم يتم اعادة انتخابها؛ والثالثة هي أن رئيس مجلس النواب هو من ضمن ضحايا الهجوم على النهدين.
أما المخرج الأخير الذي تقدمه المادة فهو اسناد مهام الرئاسة الى الحكومة في حال ان الخيارات السابقة ليست ممكنة وهنا يلاحظ ان الدستور لم يضع قيدا على طول الفترة التي يمكن ان تتولى خلالها الحكومة الرئاسة وهو ما قد يمثل مخرجا في حال ان الحكومة الحالية لم تكن قد أقيلت منذ مارس الماضي. ومع ان البعض يتكلم عن البدء بتشكيل حكومة الإ انه ليس من الواضح كيف يمكن ان تتشكل مثل تلك الحكومة بدون ان يتم اولا تعليق العمل بالدستور.
وعلى ضوء ما سبق فإن اول خطوة في ترتيب الفترة الانتقالية لا بد ان تكون تعليق العمل بالدستور وإصدار إعلان دستوري ينظم الفترة الانتقالية..وما لم تنجح الثورة الشبابية في تعليق العمل بالدستور كما حدث في مصر فإنها تكون قد فشلت في تحقيق الحد الأدنى من اهدافها..وعلى الجميع ان يدرك انه حان الوقت لصرف النظر عن المبادرة الخليجية التي تراهن على نصوص دستورية تفتقر الى المرونة وعلى شخص رضي على نفسه لسنوات ان يشغل موقع نائب الرئيس بدون قرار تعيين.

الثلاثاء، 7 يونيو 2011

مقترح بمجلس انتقالي

سواء أكان علي عبد الله صالح قد قتل الجمعة 3 يونيو كما ترجح الوقائع أو انه اصيب اصابة بالغة وهو الان في السعودية فإن انقاذ اليمن يتطلب انتقال سريع وعاجل للسلطة قبل ان تنزلق البلاد الى الفوضى العارمة ويفقد الكثير من اليمنيين حياتهم  وما هو مطلوب ليس نقل السلطة الى عبد ربه هادي  الذي لا يملك الشروط اللازمة للقيام بالمهمة ويواجه معارضة كبيرة من داخل حزبه ومن الصعب عليه وعلي اي فرد آخر القيام بالمهمة في ظل التعدد والتنوع اليمني. والمطلوب هو رئاسة جماعية يتولاها مجلس رئاسة انتقالي يتكون من سبعة اشخاص ويضم في عضويته الأسماء التالية التي تم اختيارها وفق معادلة دقيقة للتوازنات السياسية الداخلية والخارجية:
1. عبد الكريم الإرياني
2. علي محسن الأحمر
3. علي محمد الانسي 
4. علي ناصر محمد
5. محمد ابو لحوم
6. محمد عبد الملك المتوكل
7. ياسين سعيد نعمان
واذا لم ينجح هذا الخيار في تحقيق الإستقرار فلن ينجح اي خيار آخر..

الاثنين، 6 يونيو 2011

لهذا لا يمثل عبد ربه منصور هادي رجل المرحلة

في أوقات الخداع الشامل، يصبح قول الحقيقة عملا ثوريا...جورج اوريل
تحاول اطراف داخلية وخارجية عديدة نقل السلطة الى  عبد ربه منصور هادي نائب الرئيس الحالي وتتويجه كرئيس انتقالي يحظى بتوافق جميع القوى السياسية في الداخل ودعم شركاء اليمن في الخارج.. لكن الواضح ان نقطة قوة هادي هي ذاتها نقطة ضعفه. فهادي الذي يحظى بدعم الجيش الموالي للثورة وفي مقدمته اللواء ركن علي محسن الأحمر وهو الدعم الذي سيحتاجه في مواجهة ميليشيات اقارب الصالح يحظى  ايضا بمعارضة قوية داخل الحزب الحاكم ان لم يكن لأسباب اخرى فلإنه مدعوم من محسن.  
والمعارضة لهادي ذات بعد اجتماعي وليس فقط سياسي وهي تضم بيوت هامة وتيارات  سياسية هاشمية وبكيلية مؤثرة داخل السلطة وخارجها  وينظر معارضو هادي اليه على انه سيكون مجرد واجهة للتغطية على هيمنة علي محسن وقبيلة حاشد والنفوذ السعودي في اليمن. وتملك التيارات المناهضة لهادي نفوذا واسعا داخل دوائر صنع القرار الأمريكي  الى الحد الذي يصعب معه تخيل قبول الأمريكيين بهادي دون قبول تلك التيارات به.
وصحيح ان هناك عدد قليل من الأفراد يمكن ان يحظوا بالحد الأدنى من  الإجماع  المطلوب وخصوصا اجماع التيارات المرتبطة بالسعودية وتلك المرتبطة بالولايات المتحدة الإ ان بناء ذلك الإجماع قد يستغرق وقتا طويلا وهو ما لا تملكه اليمن.
ولذلك فان افضل الخيارات المتاحة لليمن خلال المرحلة الإنتقالية هو بناء مجلس انتقالي مدني عسكري متوازن في التمثيل ومن شخصيات تؤمن بالتعددية وقادرة على التوافق فيما بينها وتجنيب البلاد الإحتراب الأهلي ووضع اللبنات الأولى للدولة المدنية في اليمن..
وبينما قد يجد البعض في القريب العاجل في القذائف الصاروخية واغتيال القيادات السياسية طريقا لبناء الإجماع السياسي لهذا الطرف أو ذاك  الإ ان ذلك الطريق لن يقود سوى الى الإحتراب الأهلي ولن يخلق سوى المزيد من الأحقاد في اوساط الجماعات اليمنية.. 


السبت، 4 يونيو 2011

واخيرا خرج صالح

لا احد يعرف ما حدث بالتحديد في 4 يونيو 2011  وهل كان مسرحه الجامع الخاص برئاسة الجمهورية ام  صالة استقبال في قصر الرئاسة؟ وهل جاء من صديق داخل القصر أم من عدو خارجه؟ الواضح ان الرئيس ومنذ عشر ايام على الأقل حاول جاهدا و بمختلف  الطرق تجنب القدر الذي ينتظره  وفشل في تجنبه، وهاهو صالح يضطر الى الخروج مكرها..لم يعد اليوم يصارع من اجل السلطة ولكنه يسافر الى السعودية في الخامس من يونيو ليحارب من اجل حياته..

لقد حرم صالح خلال حياته الكثيرين من حياتهم ورمل الاف النساء ويتم الاف الأطفال وهاهو اليوم يخسر المعركة من اجل السلطة والراجح ان ورقة صالح قد انطوت الى الأبد..ومن الصعب القول ان خروج صالح من السلطة قد كان مشرفا..

الحمار وأمه والدولة المدنية

د. عبد الله الفقيه
استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء
تقول احدى النكات اليمنية ان شيخا مدعيا اراد ان يظهر لأتباعه مقدار حزمه وشدة بأسه فوجه مرفقيه بقتل أمه، وفي اليمن مثل يضرب لمن يرد الحسنة بالسيئة يقول "لقد جازى فلان فلانا كما يجازي الحمار امه." وينطبق مدلول النكتة ومضرب المثل على علي صالح و "غزوة الحصبة" غير المظفرة. فقد اراد صالح مع نهاية عهده السيئ بكل المعاني والفاشل بكل المقاييس ان يظهر حزمه عن طريق استهداف قبيلته حاشد التي حكم لثلث قرن مرتكزا على "عصبيتها."
وما يبعث على الغرابة ليس سياسة احراق الجسور التي اتبعها صالح لسنوات طويلة مع الحلفاء والأعداء فقادته في النهاية الى عزلة في نفق يربط بين دار الرئاسة و"جامع التغيير" الذي كان يعرف في السابق بجامع "الصالح" والذي بناه صالح (الذي لم يكن ابدا صالحا كما يعني اسمه) نكاية بالزيدية التي اعلن عليها الحرب في العقد الأخير من ولايته. ما يبعث على الغرابة كل الغرابة هو استهداف صالح لـ"حاشد" التي دفعت ثمن ديولته وهي موالية ثم بعد تحولها الى المعارضة. فصادق الأحمر شيخ مشايخ حاشد الذي تحول في وسائل اعلام "علي بن عفاش" الى زعيم عصابة من قطاع الطرق قاد اول حملة عسكرية لمواجهة الأعداء الخارجيين لبن عفاش في عام 1979. وما كان "ابن الراعي" حتى بعد ان اصبح "ضابطا" في الجيش يمكن ان يصبح رئيسا لولا مدنية الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر باني البيت الذي يتم استهدافه. ولو لم تكن حاشد قد انحازت الى صف الشعب ضد واحد من ابنائها في درس يجب ان يتعلم منه دعاة "الدولة المدنية" ما كانت حاشد قد تحولت في إعلام "ابن الراعي" بين عشية وضحاها الى مجموعة من العصابات وقطاع الطرق. وقد يقول قائل ان "عاق والديه" لم يستهدف حاشد ولكنه استهدف معارضيه من بيت الأحمر وذلك، لو صح، عذر اقبح من ذنب، لكنه على كل حال قول غير صحيح. فغير خاف على احد الدلالة الرمزية لمهاجمة منزل شيخ مشايخ قبيلة حاشد الذي كان وما زال وسيظل بيتا لكل اليمنيين.
لقد تحولت "غزوة الحصبة" الى سلسلة من الفضائح المخزية لرئيس مثل عهده فضيحة ممتدة. فعلى الصعيد العسكري بدا صالح وكانه قد ضرب راسه بجبل عيبان أو نقم. فقد قاد هاشم الأحمر وهو اصغر ابناء الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر العشرة (والذي كانت احد الصحف الممولة من صالح تظهر صورته مع تعليق الى جانبها يقول انه يعمل حارسا لدى صالح) مجموعة من رجال القبائل تمكنوا خلال ساعات من السيطرة على ثلث المقرات الحكومية داخل صنعاء وفي مقدمتها وزارات الداخلية، والإدارة المحلية، والصناعة والتجارة، ومعسكر النجدة، ووكالة سبأ، والخطوط الجوية اليمنية وهي جهات تمترس بها البلاطحة في عدوانهم على بيت الأحمر. وتمكن مرافقوا الشيخ صادق خلال وقت قصير من اسر مئات الجنود. وبرهنت وقائع الغزوة غير المظفرة ان "ابن الراعي" قد يظل راعيا حتى وان وصل الى الرئاسة وان ابن الشيخ يظل شيخا حتى ولو عمل حارسا لدى ابن الراعي.
واذا كانت الفضيحة السابقة لم تكن كافية وحدها، فقد تم اكمالها بأخرى اكثر خزيا. فقد ارسل صالح واسطة مكونة من عدد من مشايخ اليمن بالإضافة الى رئيس جهاز الأمن السياسي وتقول بعض الروايات ان احد حراس صالح دس شريحة تساعد الصواريخ الموجهة في جيب احد الوسطاء لتكون دليلا لصاروخ تم فيما بعد اطلاقه عن بعد على وفد الوساطة بعد ان تأكد صالح شخصيا باتصال تلفوني بانهم اصبحوا في منزل الشيخ الأحمر. وقتلت صواريخ صالح الغادرة ومدافعه العشرات من ابناء حاشد ومن سكان المنطقة الأبرياء ومن الوسطاء. لكن شوكة الثورة التي يدعمها آل الأحمر والتي ما كان ليقوم لها قائمة لولا وطنيتهم وتضحياتهم لم تنكسر، وبينما سارع صالح للاختباء بعد ان اهدرت قبائل اليمن دمه جزاء له على ارتكاب ما تسميه القبائل بـ"العيب الأسود"، كان شيخ مشايخ حاشد يتجول في شارع الستين مؤكدا للثوار الشباب ومن موقع القوة بانه لا بد من المحافظة على الطابع السلمي للثورة.
ومع انقشاع غبار المعركة كان صالح، الذي يعتبر الفضيحة عرسا، يرسل الوساطة تلو الأخرى لاستعادة الوزارات التي خسرها في بضع ساعات وفي مقدمتها وزارة الإدارة المحلية. و بعد ايام قليلة من القتال كان اسم وملامح شيخ مشائخ حاشد، الذي لم يكن معروفا للكثيرين، قد سجل حضورا محليا واقليميا ودوليا وبكل اللغات، وهو ما آثار حفيظة احدهم فسارع الى الكتابة متذمرا من حضور المشايخ في وسائل الإعلام ومن صوت صادق الأحمر الذي غطى على صوت الثورة. ولو انه كان منصفا وينظر الى اليمنيين على انهم جميعا مواطنين بحقوق متساوية لكان اشار الى ان بيت الأحمر قدموا من الشهداء من ابناء قبيلتهم في بضعة ايام ما يساوي في حجمه العددي ما قدمه شباب اليمن في كل ميادين الحرية والتغيير خلال ثلاثة اشهر.
وكان يمكن لذلك الكاتب لو اراد الإنصاف ان يشير ايضا الى ان محاولة علي عفاش هدم بيت الشيخ الأحمر ليست حادثة معزولة عن تاريخ هذا البلد وهذه الأسرة وانها تمثل امتدادا لمحاولات سابقة تمتد لثلاثة قرون على الأقل. فقد حاول الأئمة مرارا وتكرارا هدم بيوت مشايخ آل الأحمر وتشريدهم في الأرض لكن الأسرة التي ارتبط اسمها بالثورة والتي يوصف كبيرها الراحل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر في كتابات الغربيين باب الثورة اليمنية المعاصرة ظلت رغم كل ما لحق بها من مآسي وما قدمته من تضحيات مثل طائر الفينيق كلما ظن الطغاة انه مات فوجئوا به يبعث من جديد.
وبالنسبة لثوار اليسار الذين يدعون اليوم الى اقامة "الدولة المدنية" على جماجم المشايخ وعلماء الدين فلا يمثلون ظاهرة جديدة. فقد قتلوا المشايخ ورجال الدين خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ليقيموا دولة العدالة والمساواة كما قالوا، لكنهم فاجئوا الجميع بعدها بانهم وبعد ان قتلوا المشايخ ورجال الدين بدأوا بقتل بعضهم البعض موظفين ذات الشعارات التي برروا بها قتل خصومهم. ولذلك لن يخدع الناس بشعاراتهم اليوم بعد ان خدعوا بها بالأمس.
والدرس الذي يجب ان يتعلمه الجميع هو ان الدولة المدنية الحديثة التي يتشدق بها البعض وهو في فكره وفهمه وسلوكه بعيد عنها بعد السماء عن الأرض لا يمكن ان تكون هاشمية، ولا بكيلية، ولا حاشدية بالطبع، ولا جنوبية، ولا شمالية، ولا سنية، ولا سلفية، ولا اصلاحية، ولا دولة للصعاليك أو المماليك، ولكنها ستكون دولة كل اليمنيين تضم في جنباتها كل ذلك التنوع الذي يحتكم الى القانون وقواعد التعايش وثقافة التسامح والثقة والمساواة، وما لم تكن كذلك فإنها لن تكون "دولة مدنية" وانما ستكون دولة بدائية لا مواطنة فيها سوى لمن لا قيم لهم ولا عهد ولا ذمة وهي بالتحديد الحالة التي يثور عليها اليمنيون اليوم.